10 نوفمبر 2024
معاداة السامية قميص عثمان
في أثناء مظاهرة أخيرة للسترات الصفراء في باريس، تعرّض "الفيلسوف" وعضو الأكاديمية الفرنسية، آلان فينكيلكروت، الذي صودف وجوده في أحد مساراتها، إلى عدائيةٍ ظاهرة من متظاهرين اتهموه بصفات موبقة عديدة، وختمها أحدهم بعبارة "صهيوني قذر، اذهب من هنا". هذا الفيلسوف الإعلامي، والذي لم يُنتج فلسفةً حقيقيةً جادّة كصنوه برنار هنري ليفي منذ مقاعد الدراسة ربما، لا يتوقف عن إبداء ميوله العنصرية تجاه المهاجرين، كما تعزيز الرهاب من الإسلام في الأوساط اليمينية الفرنسية، وأخيراً وليس آخراً، هو مؤيّد شديد لإسرائيل، خصوصا في صيغها المتطرفة الحالية مع حكومة نتنياهو. ومن أقذر تعليقاته ما خصّ به أطفال غزة على هامش الاعتداءات الإسرائيلية الدامية بأن "لا مكان لهم في هذا العالم".
إثر الحادث، تناقلت وسائل الإعلام بتحويرٍ مهم، إذ ذكرت أنه تلقى شتائم معادية للسامية، وأن أحدهم قال له "أيها اليهودي القذر"، إلا أن إعادة المشهد مراراً، وبالاستناد إلى شهادة "الضحية" نفسه، نتأكد أن هذه العبارة لم تُلفظ. وفي المقابل، لم تتراجع وسائل الإعلام والمسؤولون السياسيون من كل الأحزاب عن اعتبار أن ما تعرّض له الطفل المدلل للإعلام السريع نوعٌ من معاداة السامية. وقد تطوّر الأمر ليفتح باب الاجتهاد في المفاهيم لدى الإعلاميين والسياسيين الذين "قرّروا" أن "كراهية إسرائيل أسلوب جديد لكراهية اليهود"، كما صرّح به النائب عن حزب الأغلبية الحاكمة، سيلفان مايار، والذي يشغل موقع نائب رئيس جمعية الصداقة البرلمانية بين فرنسا وإسرائيل. وقد تقدّم هذا النائب بمشروع قانون للبرلمان لتجريم معاداة الصهيونية واعتبارها، كما سبق للرئيس ماكرون أن ذكر، مساوية لمعاداة السامية.
مؤكٌّد أن مجموعات هامشية مقرّبة من اليمين المتطرف، وبعض الموتورين، يختبئون وراء
دعمٍ شكلي لقضية الفلسطينيين العادلة، ليُخفوا معاداتهم السامية، ولكن هذا لا يمكن له أن يُبرّر بأي شكل تجريم انتقاد النظرية السياسية الصهيونية وسياسة إسرائيل العنصرية والاستيطانية، كما يؤكّد على ذلك المؤرخ الفرنسي دومينيك فيدال، صاحب كتاب عن القضية، يردّ فيه على تصريحات الرئيس الفرنسي.
شيطنة من ينتقد سياسة ما، هو منهج قديم قدم التاريخ، فالديكتاتور الدموي جوزيف ستالين كان ينعت كل من ينتقد العقيدة الشيوعية السوفييتية بالفاشية، كما أن الجنرال الانقلابي في مصر، عبد الفتاح السيسي، يصِم كل منتقديه بأنهم إرهابيون. ونجد في سورية أيضاً أن كل المعارضين للنظام القائم هم من العملاء للمشروع الصهيوني.
يكمل المشروع المطروح أمام البرلمان الفرنسي لتجريم معاداة الصهيونية، خطواتٍ تُعبّر من خلالها الإدارة الفرنسية عن دعم غير متوقع لسياسات اليمين المتطرّف الإسرائيلي، كانت قد ابتدأت بالسعي إلى تجريم حملة مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. واليوم، هذا السعي الحثيث لتمرير مشروع قانون مقيد للحريات لا يُتوقع أن تتم الموافقة عليه في ظل المفاهيم الفرنسية السائدة، إلا إن كانت هناك حفلة من المزاودات النيابية بين مختلف الأحزاب لتمريره. فحتى في إسرائيل، هناك اليوم من يعادي الصهيونية انطلاقاً من معاداته احتلال فلسطين باسم المشروع الصهيوني. كما أن هناك فئة تعتبر نفسها ما بعد ـ صهيونية، لأنها تحصر هدف العقيدة الصهيونية في إنشاء الدولة، وأنه بالتالي لا حاجة لها بعد الوصول إلى الهدف الذي "تحقّق" سنة 1948.
وجاءت حادثة التعرّض للفيلسوف اليميني فينكيلكروت في وقتٍ تُسجّل فيه فعلاً بعض الحوادث المتفرقة التي تُترجم فعلاً معاداةً لليهودية، تعود بنا إلى سنوات النازية وحكومة فيشي الفرنسية المتعاونة مع الاحتلال الألماني في أربعينيات القرن المنصرم، فقد رُسم الصليب المعقوف على صور للسياسية الراحلة سيمون فاي، كما تم رسم صليب الحنين للنازية على شواهد قبور يهودية. وأخيراً، انتشرت تعبيراتٌ تحمل صورا كارهة ونمطية للدين اليهودي. ولا يمكن أن يُعالج هذا التوجّه كله بقانونٍ مُقيّد للحريات حتماً، إنما، وكما قال وزير التربية الفرنسية، يكون الحل عبر المدرسة التي تنشر الوعي والمجتمع المدني الذي يواجه الانحرافات المجتمعية بعملٍ جماعيٍّ يستند إلى قيم الجمهورية.
التمييز الفكري في القول وفي الفعل بين الدين والسياسات التي تتطفّل عليه أمر أساسي. وهذا ينطبق على كل الأديان، خصوصاً الإسلام في الحالة الفرنسية، فمن غير المقبول أن يتم
التغاضي عن التعميم الذي يستخدمه رهابيو الإسلام ضد المسلمين، بحجة ممارسات إرهابيين ينتمون إلى الإسلام ويدّعون تمثيله. كما ليس من المنطقي أن يُشتَم المسيحيون، باعتبارهم أتباع دين محدد، لقيام بعض الممارسات السياسوية باسم دينهم باضطهاد أقلياتٍ مسلمة في دول معينة. وكما تدعو العلمانية إلى فصل الدين عن الدولة، أو إلى حيادية الدولة تجاه الأديان، فإن من الضروري أن يتم الفصل بين ممارسات مُدانة باسم الدين عن اتباع هذا الدين.
تعيش فرنسا مرحلة حرجة في واقعها الداخلي، دفعت بعضهم إلى الاعتقاد بأن التركيز القائم على هذه الواقعة الفردية ما هو إلا طريقة تنتهجها الحكومة لحرف النظر عن الاحتجاجات المطلبية. وستكون الأيام المقبلة صعبةً على الجميع، في ظل استقطابات متوترة غير مفتوحة للنقاش الهادئ.
إثر الحادث، تناقلت وسائل الإعلام بتحويرٍ مهم، إذ ذكرت أنه تلقى شتائم معادية للسامية، وأن أحدهم قال له "أيها اليهودي القذر"، إلا أن إعادة المشهد مراراً، وبالاستناد إلى شهادة "الضحية" نفسه، نتأكد أن هذه العبارة لم تُلفظ. وفي المقابل، لم تتراجع وسائل الإعلام والمسؤولون السياسيون من كل الأحزاب عن اعتبار أن ما تعرّض له الطفل المدلل للإعلام السريع نوعٌ من معاداة السامية. وقد تطوّر الأمر ليفتح باب الاجتهاد في المفاهيم لدى الإعلاميين والسياسيين الذين "قرّروا" أن "كراهية إسرائيل أسلوب جديد لكراهية اليهود"، كما صرّح به النائب عن حزب الأغلبية الحاكمة، سيلفان مايار، والذي يشغل موقع نائب رئيس جمعية الصداقة البرلمانية بين فرنسا وإسرائيل. وقد تقدّم هذا النائب بمشروع قانون للبرلمان لتجريم معاداة الصهيونية واعتبارها، كما سبق للرئيس ماكرون أن ذكر، مساوية لمعاداة السامية.
مؤكٌّد أن مجموعات هامشية مقرّبة من اليمين المتطرف، وبعض الموتورين، يختبئون وراء
شيطنة من ينتقد سياسة ما، هو منهج قديم قدم التاريخ، فالديكتاتور الدموي جوزيف ستالين كان ينعت كل من ينتقد العقيدة الشيوعية السوفييتية بالفاشية، كما أن الجنرال الانقلابي في مصر، عبد الفتاح السيسي، يصِم كل منتقديه بأنهم إرهابيون. ونجد في سورية أيضاً أن كل المعارضين للنظام القائم هم من العملاء للمشروع الصهيوني.
يكمل المشروع المطروح أمام البرلمان الفرنسي لتجريم معاداة الصهيونية، خطواتٍ تُعبّر من خلالها الإدارة الفرنسية عن دعم غير متوقع لسياسات اليمين المتطرّف الإسرائيلي، كانت قد ابتدأت بالسعي إلى تجريم حملة مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. واليوم، هذا السعي الحثيث لتمرير مشروع قانون مقيد للحريات لا يُتوقع أن تتم الموافقة عليه في ظل المفاهيم الفرنسية السائدة، إلا إن كانت هناك حفلة من المزاودات النيابية بين مختلف الأحزاب لتمريره. فحتى في إسرائيل، هناك اليوم من يعادي الصهيونية انطلاقاً من معاداته احتلال فلسطين باسم المشروع الصهيوني. كما أن هناك فئة تعتبر نفسها ما بعد ـ صهيونية، لأنها تحصر هدف العقيدة الصهيونية في إنشاء الدولة، وأنه بالتالي لا حاجة لها بعد الوصول إلى الهدف الذي "تحقّق" سنة 1948.
وجاءت حادثة التعرّض للفيلسوف اليميني فينكيلكروت في وقتٍ تُسجّل فيه فعلاً بعض الحوادث المتفرقة التي تُترجم فعلاً معاداةً لليهودية، تعود بنا إلى سنوات النازية وحكومة فيشي الفرنسية المتعاونة مع الاحتلال الألماني في أربعينيات القرن المنصرم، فقد رُسم الصليب المعقوف على صور للسياسية الراحلة سيمون فاي، كما تم رسم صليب الحنين للنازية على شواهد قبور يهودية. وأخيراً، انتشرت تعبيراتٌ تحمل صورا كارهة ونمطية للدين اليهودي. ولا يمكن أن يُعالج هذا التوجّه كله بقانونٍ مُقيّد للحريات حتماً، إنما، وكما قال وزير التربية الفرنسية، يكون الحل عبر المدرسة التي تنشر الوعي والمجتمع المدني الذي يواجه الانحرافات المجتمعية بعملٍ جماعيٍّ يستند إلى قيم الجمهورية.
التمييز الفكري في القول وفي الفعل بين الدين والسياسات التي تتطفّل عليه أمر أساسي. وهذا ينطبق على كل الأديان، خصوصاً الإسلام في الحالة الفرنسية، فمن غير المقبول أن يتم
تعيش فرنسا مرحلة حرجة في واقعها الداخلي، دفعت بعضهم إلى الاعتقاد بأن التركيز القائم على هذه الواقعة الفردية ما هو إلا طريقة تنتهجها الحكومة لحرف النظر عن الاحتجاجات المطلبية. وستكون الأيام المقبلة صعبةً على الجميع، في ظل استقطابات متوترة غير مفتوحة للنقاش الهادئ.