اشتعلت نقاشات حادة بعد وصول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى الرئاسة بشأن العديد من المواضيع على المستوى الداخلي الحزبي، كما على مستوى الدولة، فأثارت المعارضة التركية جدلاً حول شرعية وقانونية احتفاظ الرئيس المنتخب بمنصبي رئاسة حزب سياسي ورئاسة الوزراء إلى حين تنصيبه، خصوصاً بعد أن قامت الأخيرة بالتقدم بشكوى إلى مكتب المدعي العام ليتخذ إجراءاته قبل موعد انعقاد الاجتماع غير العادي لقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم، المقرر في السابع والعشرين من أغسطس/آب الحالي.
لا يزال نواب العدالة والتنمية يؤكدون بأن أردوغان سيتخلى عن منصب رئاسة الحزب والوزراء ما إن يتم تنصيبه الرئيس الثاني عشر للجمهورية التركية، في الثامن والعشرين من أغسطس/آب الحالي. ووفقاً للدستور التركي، يعتبر رئيساً للجمهورية من يستطيع الحصول على أغلبية الأصوات الانتخابية القانونية التي شاركت في الانتخابات، الأمر الذي دفع النائب عن مدينة قونيا لحزب الشعب الجمهوري، أتيلّا كارت، إلى التقدم بشكوى لدى مكتب المدعي العام الجمهوري في المحكمة الدستورية العليا، يوم الثلاثاء، للجزم بأن صلات المرشح المنتخب (أردوغان) تُعتبر منتهية في الحزب، وأيضاً كنائب في البرلمان، بحسب الدستور الحالي، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول شرعية ترؤّس أردوغان الاجتماع غير العادي لقيادة العدالة والتنمية، قبل موعد تنصيبه بيوم واحد، أي في السابع والعشرين من الشهر الحالي.
لكن بحسب عضو الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، النائب أحمد أيدن، فإن على أردوغان، بحسب ما ينص الدستور، إتمام القيام بمهامه حتى يوم التنصيب، موعد انتهاء مدة السنوات السبع التي تمتد خلالها ولاية الرئيس عبد الله غول. أما على المستوى الداخلي لحزب العدالة والتنمية، فقد أثار تأكيد عبد الله غول على استمراره في العمل السياسي ونيته العودة إلى الحزب مرة أخرى بعد انتهاء ولايته الرئاسية، الكثير من التساؤلات. وبحسب محللين أتراك، فإن عودة غول هي بداية معركة أخرى لكن على المستوى الحزبي الداخلي.
ما إن خرجت تصريحات غول إلى العلن، حتى أعلن العدالة والتنمية عن عقد اجتماعه الاستثنائي لاختيار خليفة أردوغان في منصب رئاسة الوزراء ورئاسة الحزب قبل يوم واحد من تنصيب الرئيس الجديد، الأمر الذي سيمنع غول من حضوره، كونه لا يزال رئيساً للجمهورية، وهو ما أثار انتقادات واسعة النطاق ضمن قيادة الحزب، ليؤكد أردوغان، في وقت لاحق، أن رئيس الوزراء المقبل (من بعده) سيكون نفسه زعيم الحزب. وأثارت تصريحات غول انتقادات شديدة ضمن صفوف الحزب، فقال النائب عن العدالة والتنمية، المعروف بولائه الشديد لأردوغان، شامل طيار، في إحدى تغريداته على موقع "تويتر"، يوم الإثنين، تعليقاً على تصريحات غول: "من المؤسف أن نسمع تصريحات كهذه تشير إلى الطموح الذي قد يستولي على عقل أحدهم، أتمنى ألا تكون الأمور على ما تبدو عليه"، الأمر الذي وافقه عليه العديد من الحزبيين والمقربين من أردوغان.
وبما أن عبد الله غول لا يستطيع الترشح لأي منصب حزبي، بينما لا يزال يشغل منصب رئاسة الجمهورية، كما أنه لا يمكن أن يكون رئيس وزراء إذ إنه ليس عضواً في البرلمان، كون الدستور التركي الحالي يشترط على رئيس الوزراء أن يكون نائباً، فقد دفع ذلك الكثير من المراقبين إلى اتهام أردوغان بأنه وجه لغول هذه المرة رسالة واضحة وقوية فحواها "أنت غير مرحب بك في الحزب مرة أخرى".
وعن أسباب ذلك الصراع الداخلي، أشار الكثير من المحللين الأتراك إلى أن غول كان منذ البداية بارداً تجاه فكرة تبادل الأدوار على الطريقة الروسية بين رئاستي الجمهورية والحكومة (بوتين ــ مدفيديف)، وإن كان قد قبل بدور كهذا في عام 2002، فإن ذلك حصل لأسباب عديدة، أهمها أن أردوغان كان محروماً من ممارسة العمل السياسي في ذلك الوقت، فقبل غول بالعمل رئيساً للوزراء إلى حين "عودة الرجل المناسب للمكان المناسب". لكن الآن، انتهى عصر أردوغان في رئاسة الوزراء، ونجاح أردوغان كان حاسماً (51.8 في المائة من الأصوات) لكن بما لا يكفي ليكون انتصاره في الانتخابات البرلمانية المقبلة 2015 مضموناً بنسبة تمنحه عدد المقاعد البرلمانية اللازمة لتمرير دستور جديد أو تعديلات واسعة تمنح الرئاسة الأولى اليد العليا في إدارة الدولة. كما أن غول ليس بالرجل الذي يمكن أن يقبل بالعمل تحت وصاية أردوغان، متخلياً عن صلاحيات رئيس الوزراء الدستورية.
من جانب آخر، فإن ترحيب أردوغان بـ"عودة أحد مؤسسي الحزب"، على حد تعبيره، ووصْف هذه العودة بـ"الأمر الطبيعي"، دفع الكثير من المراقبين إلى استبعاد اندلاع أي معركة حزبية، إذ إن غول رجل مريض صحياً، عاجز عن أداء مهام رئاسة الوزراء. بالتالي، فإن عودته إلى صفوف "العدالة والتنمية"، إن لم تكن صُوَرية، فهي قد تكون ضرورية ومهمة للإشراف على حملة الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعلى عدد من الملفات داخل الحزب، خصوصاً بعدما أشار نائب رئيس الوزراء، بولنت أرينج، يوم الثلاثاء، إلى أن منصباً مناسباً سيُمنح لغول ما إن يعود إلى الحزب، تحديداً في عام 2015. لكن أرينج لم يفصح عن ماهية المنصب بالتحديد، ليبقى داوود أوغلو، أو "الخوجا" (المعلم) كما يوصف في الحزب، أحد أقوى المرشحين لرئاسة الحزب والوزراء بما أنه خطيب ماهر ومعروف بولائه الأيديولوجي لأردوغان.