معزوفتا الحب والحرب

19 نوفمبر 2015
يفهمون الحياة بطريقة ضبابية مشوهة (Getty)
+ الخط -
في زمن الصورة والمشهد الخارجين عن السياق، وفي زمن صناعة الواقع، أو بالأصح الخروج منه وعليه، لا يمكن أن تخطئ عين وأذن الفرد المستنزف في استهلاكات الحواس التي تفرضها الميديا ووسائل الإعلام في مشهدي الحرب والحب، أو الحب والحرب فلا فرق بأيهما نبدأ إن كانت المحصلة واحدة.

يظن الكثيرون أن الموضوعين متناقضان إلا أنهما في حقيقة الأمر وجهان لعملة واحدة لعدة أسباب، وكيف لا ونحن نعيش حالة من الحد الأقصى في كل انفعالاتنا وعواطفنا، في كل ردات فعلنا؟ نرى المتطرف في الحرب وهو مستعد للتضحية بروحه في سبيل القضية التي تبناها وإن كانت لا تستحق، أو تضطرب راياتها وتموج الفتن بها، والعاشق الولهان في الحب يمكنه التضحية بحياته أيضاً في سبيل من يحب وإن كان لا يستحق.

وحينما يلتحق المتطرف بأيديولوجيته لا يرى فيها عيباً ولا عوجاً سواء على مستوى الأفكار أو الأفراد، والعاشق لا يرى في محبوبه إلا الكمال والجمال والدلال، حتى يحار الإنسان في سر هذا التعلق، فينطبق عليهما ما قاله الشافعي: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا.

وتتبع الجماعات المتطرفة منظومة متكاملة من الأفكار تشكل نظرتها للحياة والعالم وتشكل الخلاص الأبدي السرمدي لغسل أدمغة المريدين، وجعلهم يفهمون الحياة بطريقة ضبابية مشوهة، ظنا منهم أنهم بهذا صاروا مؤمنين صادقين مخلصين تنتظرهم الحُسنيان إما النصر وإما الشهادة، فالحور العين والفردوس الأعلى، بعيداً عن صخب الدنيا وذُل عيشها. في حين تكفلت الميديا ووسائل الإعلام بالترويج لعشق شبقي جنسي مرتبط بالمتع الحسية والعلاقات غير السوية، وتسلط الأضواء على "الجسد" الذي يشكل حجر الزاوية في هذه العلاقة الحسية من الأساس، فتصير ممارسة الحب "making love" على طريقة هوليوود تعني ممارسة الجنس، ويكون ضحية هذه العلاقة العشقية الحسية الفتيات في الغالب؛ لأن كثيراً منهنّ لا يدركن بسذاجتهن أن الرجل يحتاج الإشباع الجسدي أكثر ما تحتاج الفتاة الإشباع العاطفي والكلمة الحنونة والإحساس بالاهتمام، هو تكوين نفسي وعقلي أكثر منه توقعات وآراء، كما تقول دراسة ذكرها كتاب "المخ ذكر أم أنثى".

المؤمن الصادق اليوم والعاشق الولهان كلاهما وجهان لعملة واحدة، هما ضحية لأفكار مرهقة، تعاملت مع الإنسان على أنه "شيء"، وقود لمعركة، أو متعة جنسية في معركة من نوع آخر!

نزعة استهلاكية ونظرة مادية للإنسان تعاملت مع واقعه من منظور مادي، عنوانه العام "تشيؤ" الإنسان في أرقى مشاعره وعواطفه؛ تجاه قضيته وأرضه أو القضايا الإنسانية النبيلة، أو تجاه نصفه الثاني ومحبوبه.

فكانت النتائج إما انحرافات أخلاقية في أرض العشق تحت شعار الحب، وإما محرقة لأجساد الشباب باسم الدين.

(البحرين)
المساهمون