والسؤال الذي يطرح نفسه هو دور المنظومة التعليمية في ترسيخ ثقافة التسامح من عدمها لدى التلاميذ. وهذا ما تجيبنا عنه إيمان نورالدين، أستاذ مساعد نظم سياسية مقارنة بكلية التربية للطفولة المبكرة جامعة القاهرة، حيث تؤكد على أن مناهجنا التعليمية لا تساعد كثيرا على تعليم الطلبة فكرة قبول الآخر، فهي تعرض الموضوعات والقضايا من وجهة نظر واحدة وليس باعتبارها قضايا خلافية ذات أبعاد متعددة تحتمل وجود عدد من الرؤى، فهناك دائما رأي واحد صواب والآخر خطأ.
اقرأ أيضا:التعليم الحوثي... تطييف ينتهي في الجبهة
وهذا يجعل الطلبه لديهم ما يسمى ثقافة البعد الواحد التي تصر على النظر إلى الأمور من زاوية واحدة، دون أن تبصر الحقيقة ذات الأبعاد المتعددة، فمناهج التاريخ التي تقدم للطلبة على سبيل المثال تكرس للتاريخ السياسي وحده وتهمل التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والفني، بل إن التاريخ السياسي نفسه، لا نرى فيه إلا سيرة الحكام أما حركة الشعوب ومواقف القوى المعارضة فتصور على أنها عصيان وتمرد، لا على أنها تمثل وجهة نظر أخرى.
كما أن الشخصيات التاريخية والدينية داخل المناهج تقدم باعتبارها شخصيات مقدسة من خلال إخراجها من السياق التاريخي، وهذا يُسهم في تكوين ذهنية منغلقة ضيقة التفكير لا تقبل الاختلاف، والمرونة.
كما تضرب نورالدين مثالاً على المناهج التعليمية المصرية التي تتجاهل حقبة طويلة من التاريخ القبطي، كذلك تجاهل الديانة المسيحية التي يدين بها جزء معتبر من الشعب المصري فى المقررات المدرسية وخاصة مقرر اللغة العربية، حيث توضع نصوص قرآنية وأحاديث شريفة فى مادة النصوص والبلاغة مثلا، بينما تستبعد تماما أية ألفاظ أو آيات من الإنجيل.
وعن دور المعلم تقول نورالدين، إن المعلم هو أحد أهم أركان العملية التعليمية فهو رأس الحربة، فلا يهم كثيرا إذا كانت المقررات الدراسية تحض على قبول الآخر وتمتلئ بالأمثله الداعية لذلك بدون وجود مدرس يؤمن بالتعدد والتنوع وقبول الآخر. فالمدرس هو القدوة وهو المثال الحي على الأفكار والمدركات التي تدرس بالمناهج المدرسية.
اقرأ أيضا:مصر: السجن عقوبة جديدة لطلبة الثانوية العامة
وتشير نورالدين إلى أهمية نشر فكر التسامح في ظل الأوضاع التي نحياها اليوم كمجتمعات عربية متهالكة بسبب الحروب الطائفية، وهذا يتطلب توافر ظروف موضوعية أهمها القضاء على الاستبداد السياسي وتفكيك السلطه الفردية الديكتاتورية، وايجاد بيئة سلمية ولاعنفية ينمو فيها ويزدهر الاعتراف بالآخر وحقه في العيش بسلام. كما تشير نورالدين إلى عدة نقاط متعلقة بتعديل المناهج أهمها:
- تضمين المناهج التعليمية ما يحض على التعايش، ويحرص عليه، وتنقيتها كذلك مما قد يقود إلى كراهية الطرف الآخر، أو يؤدي إلى تعصب ممقوت يثير الفتنة والاضطراب. فالتعليم يتم وفق ركائز ثلاث: تعلّم لتعرف، وتعلم لتعمل، تعلم لتكون. ومن المهم أن يكون هناك ضلع رابع أو ركيزة رابعة هي: تعلم لتتعايش.
- عند طرح أية موضوعات داخل المناهج المدرسية، يجب أن تكون جميع الأفكار والآراء قابلة للنقد والتقويم.
- ضرورة مساهمة المناهج الدراسية والمناخ الصفي واللاصفي والمدرسة برمتها في تنمية قيم التسامح والتواصل الإنساني.
- إن شيوع التطرف في التفكير لدرجة العنف بكل أشكاله، يجعل فهم الآخر قضية ملحة حتى يمكن التعامل معه بوعي، وهذا يعني تدريس الأديان السماوية وغيرها على أسس من الموضوعية والتركيز على ما هو مشترك، حتى يصل الجميع للفهم الجيد للمعتقدات المختلفة، مما يسهم في الإعلاء من القيمة الإيجابية لاحترام حق الآخر في اختيار الدين والمعتقد.
- تشجيع إقامة مناظرات بهدف ترسيخ مفهوم ثقافة الحوار وقبول الرأي والرأي الآخر، وضرورة الارتقاء بمستوى لغة الحوار المبنية على المنطق والدليل والاحترام بأجواء طلابية أخوية.
- على من تقع عليه مسؤولية أن يكون ملتزماً مؤمناً بفكرة التعددية والتسامح، وأن يسهم في دفع مناخ المدرسة إلى تعزيز حماية حقوق الآخرين في ضوء الاحترام المتبادل بين جميع الأفراد في المدرسة.
- إن أقصر الطرق وأيسرها وأسرعها لترسيخ هذه القيمة المهمة في ربوع المجتمع هي التعليم، فبه ومعه ومنه يمكن تعزيز التفاهم والتعاون والحوار وقبول الآخر.
اقرأ أيضا:مناهجنا تقتل الإبداع.. وإليك الأسباب