06 نوفمبر 2024
من أيام اللولو إلى "ركبني المرجيحة"
عندما أحببت الطرب والغناء، كان لصوت البدوية العاشقة صدى خاص في نفسي، فكلما أرادت جدّتي البدينة الطيبة أن ترفّه عن نفسها، كانت تطلب من أبي أن يُسمِعها أغنيات سميرة توفيق، والتي يحتفظ بها في عدة أشرطة كاسيت من الطراز القديم، حيث يضعها بجوار المسجل العتيق، والذي غلّفته أمي بغطاءٍ من الكروشيه المزركش، وحفظنا أغاني البدوية العاشقة منذ الصغر؛ لأن أغانيها لم تخدش حياءنا وأحبها آباؤنا وأمهاتنا قبلنا.
ودخلت صورها إلى بيوتنا بترحاب، فطبعت على الوسائد والشراشف وصواني الطعام المصنوعة من البلاستيك الرخيص. أما أزياؤها البدوية، فقد كانت هي التصميم الأمثل الذي تقلده النساء في المناسبات، إذ أطلقن على كل ثوبٍ واسع الأكمام ومطرّز بتطريزٍ مذهب "ثوب سميرة توفيق". أما الكحل الذي كانت ترسمه في عينيها الواسعتين، فقد كانت تقلده النساء العجائز قبل الصبايا، وكن يرسمنه للعرائس، وكذلك حبة الخال إلى جوار فمها، فقد كانت ترسم بالكحل المعتّق، وتدق الشامة على وجوه العرائس إمعاناً في إظهار جمالهن، حتى في الأعراس قديماً، والتي كانت تقام فوق أسطح البيوت في حال البيت الضيق، كان أهل العروس يستعيرون سطح الجيران لليلةٍ واحدةٍ لإقامة عرس ابنهم، فكانت تخصّص فقرة في نهاية حفل الزفاف، تعرف بالرقصة البدوية؛ حيث ترتدي العروس فستاناً مطابقاً لآخر فستانٍ ظهرت فيه سميرة توفيق على التلفزيون الأردني، وتُرسم لها الشامة المعتادة، كما يُزيّنّ شعرها بطريقة تزيين سميرة توفيق شعرها بالخرز والسلاسل، وتكثر مزينات العروس من إلباسها الحليّ والخلاخيل التي تطلق رنيناً آسراً. ولم يكن أحد يجسر على مغادرة العرس قبل أن يرى "رقصة البدوية سميرة توفيق"، وتنثر الرياحين والورود تحت قدمي العروس، وهي ترقص والنساء حولها يصدحن بأغاني سميرة توفيق، بدءًا بأغنية "بيع الجمل يا علي"، ويتضاحكن ويغمزن للعروس، وهي تنظر باستحياء إلى وجه عريسها الذي دفع فيها مهراً مكلفاً.
سميرة توفيق، بأغنياتها ودَلَعِها الرصين الوقور، وضحكتها الرشيقة، ولهجتها البدوية في أغانيها وحتى في أفلامها ومسلسلاتها القليلة، والتي مثلت فيها دور البدوية العاشقة، هي المغنية والفنانة الوحيدة التي كانت تدخل البيوت من دون استئذان، والتي كانت الزوجات لا يمانعن أن يبدي أزواجهن الإعجاب والإطراء لغمّازتها وضحكتها وحركات يديها واهتزاز جسدها.
من الفساتين اللافتة التي ظهرت فيها سميرة توفيق ذلك الذي ارتدته، في إحدى حفلاتها، وكان مزيناً بدنانير من الذهب الخالص، فخلبت لب النساء قبل الرجال، وسرت إشاعاتٌ وقتها أن هناك ممولاً عربياً، على قدرٍ كبير من الثراء، يغطي تكاليف أزيائها وإكسسواراتها. ولذلك، كانت النساء وقتها يتلهفن على متابعة أزيائها التي تعجب رجالهن، والتي تمتاز بالحشمة والوقار، خصوصا في دول الخليج في ذلك الوقت، وحيث كانت الأغنية البدوية لا تزال منتشرةً كنوع من التراث الخليجي، فعندما غنت أغنية "يا بنات الخليج" حسدت كل البنات العربيات بنات الخليج، لأنهن صرن المطلوبات عند الرجال.
تمر الأيام بصاحبة حبّة الخال، لنكتشف أنها لم تكن يوماً بدوية، على الرغم من أنها قد حبّبَت إلينا اللون الغنائي البدوي، وأنها لبنانية حضرية جاءت من عمق المدينة، لتحيي التراث البدوي. وعلى الرغم من غيابها عن الساحة الغنائية، لم تبرح ذاكرة أبناء وبنات الجيل الذين غنت لهم وعبرت عن عشقهم الخجول أغنية "بدّك تيجي حارتنا"، وقد حفظ الله أبناء هذا الجيل من التلوث السمعي والبصري، مثل الذي نشرته من تسمى داليا حسن في كليب خليع قامت بتأليف كلماته، وهي تصفف شعر زبوناتها، وردد الكبار والصغار "ركبني المرجيحة"، مستسلمين للضحالة التي وصل إليها الذوق الفني، وساعدها على ترويج بضاعتها، كما غيرها من الحلاقين وسائقي الميكروباص والمكوجية، والذين يجدون في الغناء فرصة لتجربة أحلامهم في الغناء والشهرة وحيازة المال عن طريق تصوير فيديو كليب، ونشره على "يوتيوب"، ومما يساعدهم على نشر غثائهم هو استضافة مذيعين لهم يسعون إلى إنعاش برامجهم الكاسدة؛ لكي يعاودوا ركوب مرجيحة السوق فعلاً.
ودخلت صورها إلى بيوتنا بترحاب، فطبعت على الوسائد والشراشف وصواني الطعام المصنوعة من البلاستيك الرخيص. أما أزياؤها البدوية، فقد كانت هي التصميم الأمثل الذي تقلده النساء في المناسبات، إذ أطلقن على كل ثوبٍ واسع الأكمام ومطرّز بتطريزٍ مذهب "ثوب سميرة توفيق". أما الكحل الذي كانت ترسمه في عينيها الواسعتين، فقد كانت تقلده النساء العجائز قبل الصبايا، وكن يرسمنه للعرائس، وكذلك حبة الخال إلى جوار فمها، فقد كانت ترسم بالكحل المعتّق، وتدق الشامة على وجوه العرائس إمعاناً في إظهار جمالهن، حتى في الأعراس قديماً، والتي كانت تقام فوق أسطح البيوت في حال البيت الضيق، كان أهل العروس يستعيرون سطح الجيران لليلةٍ واحدةٍ لإقامة عرس ابنهم، فكانت تخصّص فقرة في نهاية حفل الزفاف، تعرف بالرقصة البدوية؛ حيث ترتدي العروس فستاناً مطابقاً لآخر فستانٍ ظهرت فيه سميرة توفيق على التلفزيون الأردني، وتُرسم لها الشامة المعتادة، كما يُزيّنّ شعرها بطريقة تزيين سميرة توفيق شعرها بالخرز والسلاسل، وتكثر مزينات العروس من إلباسها الحليّ والخلاخيل التي تطلق رنيناً آسراً. ولم يكن أحد يجسر على مغادرة العرس قبل أن يرى "رقصة البدوية سميرة توفيق"، وتنثر الرياحين والورود تحت قدمي العروس، وهي ترقص والنساء حولها يصدحن بأغاني سميرة توفيق، بدءًا بأغنية "بيع الجمل يا علي"، ويتضاحكن ويغمزن للعروس، وهي تنظر باستحياء إلى وجه عريسها الذي دفع فيها مهراً مكلفاً.
سميرة توفيق، بأغنياتها ودَلَعِها الرصين الوقور، وضحكتها الرشيقة، ولهجتها البدوية في أغانيها وحتى في أفلامها ومسلسلاتها القليلة، والتي مثلت فيها دور البدوية العاشقة، هي المغنية والفنانة الوحيدة التي كانت تدخل البيوت من دون استئذان، والتي كانت الزوجات لا يمانعن أن يبدي أزواجهن الإعجاب والإطراء لغمّازتها وضحكتها وحركات يديها واهتزاز جسدها.
من الفساتين اللافتة التي ظهرت فيها سميرة توفيق ذلك الذي ارتدته، في إحدى حفلاتها، وكان مزيناً بدنانير من الذهب الخالص، فخلبت لب النساء قبل الرجال، وسرت إشاعاتٌ وقتها أن هناك ممولاً عربياً، على قدرٍ كبير من الثراء، يغطي تكاليف أزيائها وإكسسواراتها. ولذلك، كانت النساء وقتها يتلهفن على متابعة أزيائها التي تعجب رجالهن، والتي تمتاز بالحشمة والوقار، خصوصا في دول الخليج في ذلك الوقت، وحيث كانت الأغنية البدوية لا تزال منتشرةً كنوع من التراث الخليجي، فعندما غنت أغنية "يا بنات الخليج" حسدت كل البنات العربيات بنات الخليج، لأنهن صرن المطلوبات عند الرجال.
تمر الأيام بصاحبة حبّة الخال، لنكتشف أنها لم تكن يوماً بدوية، على الرغم من أنها قد حبّبَت إلينا اللون الغنائي البدوي، وأنها لبنانية حضرية جاءت من عمق المدينة، لتحيي التراث البدوي. وعلى الرغم من غيابها عن الساحة الغنائية، لم تبرح ذاكرة أبناء وبنات الجيل الذين غنت لهم وعبرت عن عشقهم الخجول أغنية "بدّك تيجي حارتنا"، وقد حفظ الله أبناء هذا الجيل من التلوث السمعي والبصري، مثل الذي نشرته من تسمى داليا حسن في كليب خليع قامت بتأليف كلماته، وهي تصفف شعر زبوناتها، وردد الكبار والصغار "ركبني المرجيحة"، مستسلمين للضحالة التي وصل إليها الذوق الفني، وساعدها على ترويج بضاعتها، كما غيرها من الحلاقين وسائقي الميكروباص والمكوجية، والذين يجدون في الغناء فرصة لتجربة أحلامهم في الغناء والشهرة وحيازة المال عن طريق تصوير فيديو كليب، ونشره على "يوتيوب"، ومما يساعدهم على نشر غثائهم هو استضافة مذيعين لهم يسعون إلى إنعاش برامجهم الكاسدة؛ لكي يعاودوا ركوب مرجيحة السوق فعلاً.