11 نوفمبر 2024
من شرفة مطلة على أنطاليا
قرأت مرة، أن حدقتي المسافر تتسع غريزياً، بمجرد وصوله إلى بلد غريب، يفعل ذلك استجابة لمشاعر الحذر واليقظة التي تنتاب الغريب في أرض بعيدة عن مرمى اعتياده وألفته. إضافة إلى الفضول الكبير الذي يحثه على الإلمام بكل تفاصيل المكان الجديد تحت وطأة الإحساس بالمؤقت، تذكرت ذلك، وأنا أراقب من شرفة أصدقائي، العائلة المقيمة في قلب أنطاليا، شكل الحياة اليومية العادية هناك، بعيداً عن فضاء خدمات الفنادق السياحية التي تقدم في العادة جانباً ترويجياً واحداً من المشهد، إنها، ببساطة، مدينة من سحر وجمال خالص، بشوارعها الضيقة العتيقة المرصوفة بالحصى، تحيطها بيوت تركية ويونانية، رممت باحتراف كبير كي تحافظ على جماليات وأصالة الطابع التاريخي للمدينة وقد حازت على إثره جائزة التفاحة الذهبية للسياحة، وصنفت منتجعاً دولياً كبيراً.
إضافة إلى المنجز السياحي المبهر والجلي، فإن الجانب الثقافي والاجتماعي والبيئي جدير بالالتفات كذلك، إذ يحتضن فضاؤها عشرات المهرجانات الثقافية الفنية، من سينما وموسيقى وغيرها. علاوة على ذلك، هي مدينة صديقة للحيوانات، تجد كلابها غير الضالة تجول في الأزقة وأرصفة الشوارع نظيفة معافاة أليفة، ملقحة ضد الأمراض، يحنو عليها سكان المدينة الذين يتميزون بالهدوء ودماثة الخلق في تماهٍ مع ملامح المدينة نفسها، من حيث النظافة والأناقة والجمال والتسامح. عدد السيارات قليل بالنسبة لعدد السكان، ذلك أن نظام المواصلات العامة من الراحة والثمن البخس يجعلك تزهد في امتلاك سيارة. لاحظت، كذلك، انعدام الفوارق الطبقية بين أفراد المجتمع، أو على الأقل، اختفاء مظاهرها.
لم أشاهد، خلال إقامةٍ دامت أسبوعاً، سيارات فارهة أو مظاهر( فخفخة) أو استعراضاً، حتى فئة المتسولين يمكن اعتبار وجودها في الحد الأدنى قياساً لأي مدينة أوروبية. وكما فهمت، فإنهم يأتون من مناطق أخرى من تركيا، ودائماً لديهم بضائع بسيطة يعرضونها للعابرين من دون أي إلحاح يذكر، كما يحظى ذوو الاحتياجات الخاصة برعاية قصوى، لأن أنطاليا أكثر من صديقة لهم، بل أم رؤوم تحيط احتياجاتهم باعتناء من حيث تخطيط وهندسة الشوارع والأماكن العامة.
لاحقت، بعين الفضول، رجلاً مقعداً يستخدم كرسياً متحركاً، يسير بالطاقة الكهربائية، تكرر ظهوره في الشارع محل إقامتي، لفت نظري، بنظافته الفائقة وحسن هندامه، وعند السؤال، تبين أن أهل الشارع من أصحاب محلات ومنازل يتناوبون بمبادرات شخصية على مساعدته وإطعامه وتنظيفه وتلبية احتياجاته كلها، لكي يزاول عمله في بيع بطاقات الشحن وأوراق اليانصيب بكل عزة وكرامة. وفي سياق الكرامة نفسها، وفي تجسيد بليغ لقيم التضامن الإنساني، لا بد من المرور على تلك المباني الجاهزة المشيدة في زوايا محددة، وفق طراز يشبه صناديق البريد، مفتوحة من كل الجهات وقد خصصت هذه المنشآت، لكي يضع الناس فيها الفائض من ملابسهم ومقتنياتهم الشخصية، لتكون في متناول من يحتاجها من دون منة أو إراقة ماء وجه.
وتقام في حدائق أنطاليا، على مدى الشهر الفضيل، موائد إفطار تتضمن ثلاثة أطباق تقدم في فضاء فسيح، لا يخلو من موسيقى وفرح من دون تخصيص معلن، لفئة المحتاجين أو الإشارة إلى أي جهة محسنة كريمة، تلتقط صوراً مهينة، تبث على مواقع التواصل، استدراجاً لاستحسان منتزع من كرامة البشر. يتدلل الأطفال كما يليق بهم، وتتوفر لهم مرافق مجانية مبهجة، كحق أساسي في اللعب، وإطلاق الخيال. تعامل المرأة باحترام بالغ ويفسح لها المجال كسيدة مبجلة، مهما بلغ عمرها وبغض النظر عن شكلها. يتم ذلك في وسائل المواصلات العامة، وفي الشوارع وكل الأماكن، فلا تضطر للاعتذار عن أنوثتها، كلما سارت في شارع! وتظل الظاهرة الأكثر تمييزاً وإثارة للإعجاب، ذلك التنوع الثقافي والاختلاف والتعايش في هذه المدينة، ذات الخليط التاريخي الحضاري والحداثوي العريق بملامحها البيزنطية والعثمانية والإغريقية والرومانية المتمازجة في انسجام كبير يفسر حالتها المشرقة الراهنة، ويبرر إصابة زائرها بجملة صدمات ثقافية وجمالية وحضارية وإنسانية، حال العودة إلى قواعده غير سالم من آثار الدهشة.
إضافة إلى المنجز السياحي المبهر والجلي، فإن الجانب الثقافي والاجتماعي والبيئي جدير بالالتفات كذلك، إذ يحتضن فضاؤها عشرات المهرجانات الثقافية الفنية، من سينما وموسيقى وغيرها. علاوة على ذلك، هي مدينة صديقة للحيوانات، تجد كلابها غير الضالة تجول في الأزقة وأرصفة الشوارع نظيفة معافاة أليفة، ملقحة ضد الأمراض، يحنو عليها سكان المدينة الذين يتميزون بالهدوء ودماثة الخلق في تماهٍ مع ملامح المدينة نفسها، من حيث النظافة والأناقة والجمال والتسامح. عدد السيارات قليل بالنسبة لعدد السكان، ذلك أن نظام المواصلات العامة من الراحة والثمن البخس يجعلك تزهد في امتلاك سيارة. لاحظت، كذلك، انعدام الفوارق الطبقية بين أفراد المجتمع، أو على الأقل، اختفاء مظاهرها.
لم أشاهد، خلال إقامةٍ دامت أسبوعاً، سيارات فارهة أو مظاهر( فخفخة) أو استعراضاً، حتى فئة المتسولين يمكن اعتبار وجودها في الحد الأدنى قياساً لأي مدينة أوروبية. وكما فهمت، فإنهم يأتون من مناطق أخرى من تركيا، ودائماً لديهم بضائع بسيطة يعرضونها للعابرين من دون أي إلحاح يذكر، كما يحظى ذوو الاحتياجات الخاصة برعاية قصوى، لأن أنطاليا أكثر من صديقة لهم، بل أم رؤوم تحيط احتياجاتهم باعتناء من حيث تخطيط وهندسة الشوارع والأماكن العامة.
لاحقت، بعين الفضول، رجلاً مقعداً يستخدم كرسياً متحركاً، يسير بالطاقة الكهربائية، تكرر ظهوره في الشارع محل إقامتي، لفت نظري، بنظافته الفائقة وحسن هندامه، وعند السؤال، تبين أن أهل الشارع من أصحاب محلات ومنازل يتناوبون بمبادرات شخصية على مساعدته وإطعامه وتنظيفه وتلبية احتياجاته كلها، لكي يزاول عمله في بيع بطاقات الشحن وأوراق اليانصيب بكل عزة وكرامة. وفي سياق الكرامة نفسها، وفي تجسيد بليغ لقيم التضامن الإنساني، لا بد من المرور على تلك المباني الجاهزة المشيدة في زوايا محددة، وفق طراز يشبه صناديق البريد، مفتوحة من كل الجهات وقد خصصت هذه المنشآت، لكي يضع الناس فيها الفائض من ملابسهم ومقتنياتهم الشخصية، لتكون في متناول من يحتاجها من دون منة أو إراقة ماء وجه.
وتقام في حدائق أنطاليا، على مدى الشهر الفضيل، موائد إفطار تتضمن ثلاثة أطباق تقدم في فضاء فسيح، لا يخلو من موسيقى وفرح من دون تخصيص معلن، لفئة المحتاجين أو الإشارة إلى أي جهة محسنة كريمة، تلتقط صوراً مهينة، تبث على مواقع التواصل، استدراجاً لاستحسان منتزع من كرامة البشر. يتدلل الأطفال كما يليق بهم، وتتوفر لهم مرافق مجانية مبهجة، كحق أساسي في اللعب، وإطلاق الخيال. تعامل المرأة باحترام بالغ ويفسح لها المجال كسيدة مبجلة، مهما بلغ عمرها وبغض النظر عن شكلها. يتم ذلك في وسائل المواصلات العامة، وفي الشوارع وكل الأماكن، فلا تضطر للاعتذار عن أنوثتها، كلما سارت في شارع! وتظل الظاهرة الأكثر تمييزاً وإثارة للإعجاب، ذلك التنوع الثقافي والاختلاف والتعايش في هذه المدينة، ذات الخليط التاريخي الحضاري والحداثوي العريق بملامحها البيزنطية والعثمانية والإغريقية والرومانية المتمازجة في انسجام كبير يفسر حالتها المشرقة الراهنة، ويبرر إصابة زائرها بجملة صدمات ثقافية وجمالية وحضارية وإنسانية، حال العودة إلى قواعده غير سالم من آثار الدهشة.