من ينقذ السلطة الفلسطينية من نفسها؟

08 فبراير 2019
+ الخط -
واضح جدا أن العام 2018 سجل انبعاثا جديدا للحالة النضالية الفلسطينية عبر مسيرات العودة التي انطلقت في غزة، وقد بلغ عدد شهدائها حتى كتابة هذه السطور 224 شهيدا ومئات الآلاف من الجرحى، وشكلت هاجسا أمنيا كبيرا للاحتلال. كما سجل العام 2018 حضورا مهما للعمليات النضالية في الضفة الغربية، تميزت بقدرة المقاومين على التواري عن الأنظار لفترات تخطت الأشهر، مسجلة فشلا أمنيا واستخبارتيا للاحتلال الذي يتعاون مع السلطة الفلسطينية لإحباط تلك العمليات التي وصفت بالفردية، متخطية الأطر التنظيمية للفصائل.
يستمر في المقابل التعاون "المقدس" الذي يصر فيه رئيس السلطة الفلسطيينة، محمود عباس، على التنسيق الأمني مع الاحتلال، على الرغم من فشل مشروعها التسووي منذ سنوات، ووصوله حتى إلى تهديد السلطة بالزوال بحد ذاتها عبر عقوبات أميركية، لم تلبث تتوالى على رأس السلطة كالمطرقة، وجديدها قطع التمويل عن الأجهزة الأمنية الفلسطينية الذي سبّب بدوره ذعرا للاحتلال الإسرائيلي لجهة "انفلات الوضع الأمني في الضفة"، وهو كما يبدو مهمة السلطة الوحيدة هو الحرص على عدم الانفلات، ناهيك عن العقوبات الإسرائيلية أيضا لجهة اقتطاع جزءٍ من عائدات الضرائب التي يجبيها الاحتلال لصالحها، لما يسميها "تعويضات لعائلات القتلى من العمليات الفلسطينية".
هذا الإذلال السياسي الذي لا يقيم للسلطة شأنا ولا وزنا، تقابله السلطة بالاحتجاج والتنديد حصرا، وهو يمثل أقصى حالات العجز، خصوصا أنها لا تجرؤ على القيام باستعمال أي ورقة ضغط على الاحتلال الإسرائيلي، وأهمها وقف التنسيق الأمني. في المقابل ما يجري على الجهة الفلسطينية مختلف تماما، فالتعنت والعنجهية والاستعلاء والعقوبات والقمع هي الصفة السياسية اللازمة لممارسات السلطة في الساحة الفلسطينية .
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا يعبر عن أزمة خيارات أم وجود؟
أوصلت السلطة الفلسطينية نفسها اليوم بالرهان فقط على مشروع التسوية عبر الوسيط الأميركي "غير النزيه" تاريخيا إلى مستنقع ضحل، لم تستطيع الخروج منه، وترتب عليه واقع إسرائيلي يبسط فيه أذرعه كالأخطبوط على فلسطين، استيطانا وبناء وتقطيعا لأوصال حلم الدولة الفلسطينية، حتى أصبح الاعتراف اللفظي بالدولة الفلسطينية من الأميركيين والإسرائيليين مطلبا جديدا يجب أن تسعى السلطة إلى تحصيله من جديد، بعد أن كان من المسلمات. إذا تدفع السلطة ثمن الخيار الوحيد الذي اختارته السلطة لنفسها، وتصر عليه كالذي يتجرع السم حلو المذاق.
ولكن ما يجري حاليا أخطر بكثير، فالعقوبات الأميركية والإسرائيلية والتجاهل العربي، وخصوصا المصري في بعض الأحيان لها، وأمام حالة التطبيع المقنع مع الاحتلال الذي يضعف السلطة يضاف إليها الفشل في استيعاب الفصائل الفلسطينية في منظمة التحرير، أفقدها للمشروعية الدولية والفلسطينية على حد سواء، ولكي تستعيد تلك "الشرعية" من الواضح أن السلطة تلجأ إلى استخدام سياسة العصا تجاه الفصائل والشعب الفلسطيني في الضفة وغزة. فلجأت إلى حل المجلس التشريعي والحكومة، وصولا إلى القمع الأمني الذي يطال حتى المسيرات الشعبية ذات المطالب الاجتماعية في الضفة، وإجراءات عقابية تسلطية على قطاع غزة تزداد تباعا في محاولة بائسة لاستعادة تلك الشرعية .
نحن أمام أزمة خيارات أدت في النهاية إلى أزمة وجودية تستجدي فيها السلطة السياط على ظهر الشعب الفلسطيني وفصائله للعودة إلى ما تعتبره بيت الطاعة، وهي تسجل فشلا ذريعا على جميع الصعد، وبالتالي من ينقذ السلطة الفلسطينية من نفسها، وهي تتخبط خبط عشواء دوليا ومحليا؟ وإذا كنا نطلب ذلك فهو لا لشيء إلا لسبب واحد، أنها تتسبب بتشطير الساحة الفلسطينية وتساهم بتغطية مشاريع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا أصبح دورها حاليا. وإذا كان المطلب الفلسطيني الرسمي قديما باستجلاب الحماية الدولية للشعب الفلسطيني من جرائم الاحتلال، أصبح المطلب الحالي: من يحمي الشعب والقضية الفلسطيية من مهاترات السلطة ومغامراتها التي تعود بنا الى الوراء، وتعطي اليمين الإسرائيلي هدايا مجانية على حساب تضحيات هذا الشعب؟
ما يجري حاليا، بكل ما في الكلمة من معنى، أن الفصائل الفلسطينية تسحب المزيد من البساط الشرعي على حساب السلطة، وما يجري حاليا سيؤدي الى مزيد من الانكماش والترهل، ولربما سنشهد اليوم الذي ستندثر فيه السلطة وجوديا بعد أن بدأت تباشير انتهائها سياسيا، فهل من منقذ؟
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)