وحدد بومبيو وماتيس، في تصريحات منفصلة ومتتالية أول من أمس، جدولاً زمنياً لا يتجاوز الشهر لوقف إطلاق النار وانعقاد جولة مفاوضات جديدة في السويد برعاية الأمم المتحدة. وجاء ذلك بعد أيام فقط من طرح ماتيس، خلال مشاركته في مؤتمر المنامة للأمن، نهاية الأسبوع الماضي، حين أعلن معالم مبادرة للحل، تتمحور حول وقف الحرب بإيجاد مناطق عازلة في الحدود مع السعودية وإقرار الحكم شبه الذاتي في البلاد. ويترافق التحرك الأميركي المستجد
مع وجود الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في الولايات المتحدة، للعلاج، وهي الزيارة الثانية خلال شهرين، بعد أن خضع هادي لفحوصات طبية في أميركا مطلع سبتمبر/ أيلول المنصرم. وهناك، يفترض أن يلتقي هادي المبعوث الدولي مارتن غريفيث ربما، في سياق التحضير لجولة مفاوضات السويد التي قد تعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.
ونظراً لأهمية الموقف الأميركي من حرب اليمن، خصوصاً أن السعودية والإمارات لن تتمكنا من تجاهله، فإن العديد من الدول الأوروبية، بينها فرنسا وبريطانيا، على سبيل المثال لا الحصر، سارعت إلى تأييد الدعوة الأميركية لوقف الحرب. وبينما أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، أول من أمس الثلاثاء، أنه "حان الوقت لوقف هذا النزاع"، رحب وزير الخارجية البريطاني بالدعوة الأميركية لوقف القتال في اليمن، معلناً عن دعم "الجهود لفتح ممر إنساني لتخفيف الوضع الرهيب في اليمن". ولا يفصل كثر هذا التحول الأميركي والأوروبي من الحرب في اليمن، وانتقال مختلف الأطراف، إلى موقع الضغط على السعودية والإمارات، عن تداعيات جريمة قتل خاشقجي الذي كان، للمفارقة، من أشد المؤيدين لوقف سريع للحرب السعودية في اليمن.
من جهته لا يبدو المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، الذي فشلت محاولته تنظيم محادثات سلام في سبتمبر/ أيلول الماضي في جنيف، بعيداً عن أجواء التحركات الأميركية، إذ رحّب، أمس الأربعاء، بالدعوات الأخيرة لـ"استئناف العملية السياسية والتدابير الفورية للتوصل إلى وقف للأعمال العدائية في اليمن". وقال في بيان إنه يواصل جهوده من أجل جمع الأطراف اليمنية حول طاولة المفاوضات في غضون شهر، داعياً جميع الأطراف إلى "اغتنام" ما وصفه بـ"الفرصة"، للانخراط بشكل بناء مع جهود استئناف المشاورات السياسية على وجه السرعة، من أجل التوصل إلى اتفاق على إطار للمفاوضات السياسية وعلى تدابير لبناء الثقة". وحدد غريفيث الملفات المرتبطة بأولويات بناء الثقة، وتشمل التفاهم حول ترتيبات البنك المركزي اليمني، وتبادل السجناء وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي المغلق من قبل التحالف السعودي الإماراتي منذ أكثر من عامين. وأكد أنه يعمل مع جميع الأطراف المعنية في المنطقة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة لإنهاء النزاع في البلاد، وذلك من خلال المفاوضات. ويتوقع أن تستضيف السويد المفاوضات، على الرغم من تجنب بيان المبعوث الدولي، تحديد مكان الانعقاد، فيما قالت وزيرة الخارجية السويدية، مارغو والستروم، أمس الأربعاء، إن الأمم المتحدة طلبت من السويد "إذا كان بإمكاننا أن نكون مكاناً يجمع فيه مبعوث الأمم المتحدة كافة أطراف هذا الصراع"، قبل أن تضيف أن السويد ستكون "سعيدة بذلك" لكن لا يوجد شيء محدد إلى الآن.
وجاء تصريح غريفيث، الذي حدد للمرة الأولى سقفاً زمنياً لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات، بالإشارة إلى العمل على ذلك في غضون "شهر"، من اليوم، بعد دخول قوي لواشنطن على خط الأزمة بتصريحات تصدرها وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي تحدث عن هذا الموضوع مرتين في غضون أيام قليلة. وشدد ماتيس أول من أمس على ضرورة وقف الأطراف إطلاق النار في اليمن والجلوس إلى طاولة مفاوضات في غضون 30 يوماً. ووجه رسائل مباشرة إلى كلٍ من السعودية والإمارات بالقول إن "علينا أن نقوم بذلك في الثلاثين يوماً المقبلة، وأعتقد أن السعودية والإمارات على استعداد للمضي في الأمر". وربط بين وقف إطلاق النار، وانسحاب الحوثيين من الحدود مع السعودية، في مقابل وقف الأخيرة قصفها وغاراتها.
وبالتزامن، عزّزت واشنطن موقفها ببيان لوزير الخارجية مايك بومبيو، تحدث عن الرؤية الأميركية، من خلال "وقف الأعمال العدائية، بما في ذلك الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة". وفي المقابل "يجب أن تتوقف الضربات الجوية للتحالف في جميع المناطق المأهولة بالسكان في اليمن". وأشار إلى أن المشاورات الموضوعية تحت إشراف مبعوث الأمم يجب أن تبدأ في نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، في بلد ثالث، لتنفيذ تدابير بناء الثقة ومعالجة القضايا الأساسية للصراع، ونزع السلاح من الحدود، حتى تصبح كل الأسلحة الكبيرة تحت المراقبة الدولية".
وتعد التصريحات الأميركية تطوراً غير مسبوق، في موقف الولايات المتحدة، إزاء الحرب في البلاد، منذ تسلم إدارة دونالد ترامب السلطة على الأقل، إذ تكررت مضامين الدعوة لوقف الحرب وبلهجة واضحة، من كلٍ من وزيري الدفاع والخارجية بالتزامن. ولم تنحصر هذه المرة على دعوات شكلية لوقف الحرب بقدر ما وضعت خطوطاً عريضة أو خارطة طريق للحل، لعل أهم ما جاء فيها، طرح معادلة وقف الحوثيين القصف باتجاه الحدود السعودية في مقابل إيقاف الأخيرة غارتها الجوية، ولكن مع تحديد "الوقف" بالنسبة للغارات، في المناطق المأهولة بالسكان، وصولاً إلى تحديد جدولٍ زمني للتوجّه إلى المفاوضات، في غضون 30 يوماً.
من زاوية أخرى، فإن المضامين التي حددها الوزيران الأميركيان للحل اليمني لا تبتعد كثيراً عن تصريحات سابقة تربط وقف الحرب بقاعدة وقف إطلاق الحوثيين الصواريخ والقذائف تجاه السعودية في مقابل وقف الغارات، وهو الطرح الذي سبق وضعه ورفضه التحالف والحكومة اليمنية، باعتباره يقترب من رؤية الحوثيين بتعريف الحرب كأزمة مع السعودية لا كأزمة ناتجة عن انقلاب جماعة الحوثيين على الحكومة الشرعية، كما هو التعريف بالنسبة إلى الأخيرة.
ومع ذلك، فإن موقف التحالف السعودي الإماراتي بعد ما يقرب من أربع سنوات من الحرب، وعلى ضوء قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، يضع أمام الرياض خيارات محدودة بالإصرار على التمسك بتعريفاتها الخاصة بالأزمة اليمنية.
ومن أبرز الملاحظات التي تُطرح حول الخطوط العريضة للمبادرة الأميركية، أنها تجاهلت مسألة المطالبة بانسحاب الحوثيين من المدن، كما كانت تتضمّن المقترحات السابقة، بما فيها مبادرة وزير الخارجية الأسبق جون كيري، فيما تتمحور الخطة الجديدة حول الحدود ووقف إطلاق النار وتدابير بناء الثقة.
يضاف إلى ذلك أن تصريحات بومبيو وماتيس، يوم الثلاثاء، لم تشر إلى مسألة "الحكم الذاتي" التي كان الأخير قد تحدث عنها خلال مؤتمر البحرين الأمني، منذ أيام، بعد أن فُسرت كما لو أنها دعوة للاعتراف بالتقسيم على أرض الواقع، بحيث تبقى للحوثيين السيطرة في مناطق نفوذهم، قبل أن تعلن الجماعة، على لسان عضو الوفد المفاوض عبدالملك العجري، رفضها الطرح الأميركي الخاص بتقسيم اليمن إلى مناطق حكم ذاتي. وفي الوقت الذي لم يصدر فيه موقف رسمي عن التحالف أو الحكومة الشرعية المدعومة منه، حتى أمس الأربعاء على الأقل، تجاه الدعوة الأميركية، من المتوقع أن تُقابل بتحفظات في جزء من تفاصيلها على الأقل، وخصوصاً تلك التي يرى الجانب الحكومي أنها تتماهى مع التعريف الحوثي للحرب (وقف الصواريخ تجاه السعودية مقابل وقف الغارات). كما أن مناطق الاشتباكات، وفي المقدمة منها مدينة الحديدة الاستراتيجية، لا تزال تحدياً محورياً أمام أي حديث عن تسوية لا تتضمن تصوراً واضحاً بالنسبة إلى المدينة ومينائها، الذي يعد الشريان الرئيسي في البلاد. من الجانب الآخر، وعلى الرغم من التعقيدات كافة، يبقى التقيد بأي من المبادرات والجهود الدولية مسألة متصلة بحجم الضغوط وجدية توجه واشنطن في فرض وقف الحرب من عدمه، باعتبارها داعماً رئيساً لحرب الرياض في اليمن.