نادية مصطفى: كسر الانقلاب لا يعني رحيل السيسي فقط

23 مايو 2014
"العسكر يوظف حزب النور" (العربي الجديد)
+ الخط -

ترى أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة، مؤسِّسة "مركز الحضارة للدراسات"، الدكتورة نادية مصطفى، أن حصول الانقلاب في الثالث من يوليو/ تموز الماضي، لا يعني فشل ثورة يناير، بل تجديداً للثورة واستكمالاً لها.
وتعتبر مصطفى، أن أخطر ما فعله المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، هو أنه جعل جماعة "الإخوان المسلمين"، وهم جزء من الشعب، في مواجهة الشعب. وتشير إلى أنه "يعتبر هذا انتصاره الأكبر، لينتزع الجذور الإسلامية الحركية السياسية السلمية، ويوجه لها ضربة يريدها أن تكون نهائية ويجعلها الوجه الآخر للحركات المسلحة التي تقوم بعمليات إرهابية في سيناء".
كما توضح مصطفى، في حوارها مع "العربي الجديد"، أن "المبادئ العشرة التي تضمنتها وثيقة بروكسل، يمكن البناء عليها لتحقيق تحالف سياسي"، مؤكدة على "ضرورة حسم كافة الأمور المتعلقة بمرحلة ما بعد كسر الانقلاب، منها مسألة عودة الرئيس المعزول محمد مرسي، بين شركاء المقاومة قبل كسر الانقلاب".


يرى البعض أن وقوع الانقلاب يعني فشل الثورة، كيف تُقيّمين الأمر؟

من المعروف تاريخياً أن نجاح الثورات أو فشلها ليس مسألة سريعة، لكن الأمور تأخذ وقتاً حتى تتبلور التفاعلات حول الحدث الثوري. وإذا كنا نقول إن ثورة 25 يناير قد تراجعت أو أُجهضت أو تعثّرت، فهذا لا يعني نهاية المطاف، لكننا بحاجة لمراجعة ذاتية للتعرّف على ما حدث وأسبابه بطريقة أدق كخطوة في استكمال العملية الثورية، التي لم تتنهِ بعد، خاصة أن مقاومة الانقلاب بمثابة تجديد واستكمال للثورة.

تحدثتِ عن "المراجعة الذاتية". برأيك ما هي مسؤولية الإسلاميين، وتحديداً "الإخوان المسلمين" عما آلت إليه الثورة؟

لا أستطيع إلقاء اللوم على الحركات الإسلامية والحركات الشبابية لوقوع الانقلاب، هذه ليست مراجعة ذاتية إنما جَلْد للذات؛ فالشباب هم مُفجّرو الثورة، والحركات الإسلامية، وفي القلب منها "الإخوان"، عمودها الفقري، وبالتالي لا تقتصر المراجعة الذاتية على هذين الجانبين، لأنها ستكون بمثابة انصياع لمَن يقولون إن الثورة فشلت بسبب الشباب والإسلاميين.
هذا لا يعني أن الإسلاميين لم يُخطئوا، ونستطيع أن نرصد الكثير من الأخطاء لكنها ليست خطايا بحكم طبيعة المرحلة؛ فهم، وغيرهم من القوى، كانوا بحاجة لوقت أكبر لممارسة العملية السياسية في إطار من الحرية.

هناك اتهام آخر وُجّه للإسلاميين بأنهم تحالفوا مع العسكر، كيف  تُقيّمين ذلك؟

وُجّه هذا الانتقاد للإسلاميين بشكل عام، وللإخوان بصفة خاصة، بأنهم تحالفوا مع العسكر ضد الثورة وشباب الثوار وضد القوى المدنية، التي طالبت بأن يتم الانتهاء من الدستور قبل الانتخابات، لكن الإسلاميين اختاروا، في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس/ آذار 2011، أن تكون الانتخابات أولاً.


لم يكن هذا تواطؤاً بل صراع قوى، ومحاولة لعدم الدخول في صدام مباشر مع المؤسسة العسكرية، فالأمر من وجهة نظرهم يحتاج إلى نوع من التدرّج، هذا اتهام خطير للإخوان بحكم أن أحد أهم سمات ممارساتهم أنهم لم يدخلوا في صدام مباشر مع الجيش، في حين أنهم كانوا يديرون لعبة صراع قوية معه، وفق حساباتهم ورؤيتهم، وإن كانوا أساؤوا التقدير لأقصى درجة، ولم يفطنوا إلى ما يبطنه العسكر أو فطنوا إليه متأخرين.

لكن بعض ممارسات الإخوان أعطت انطباعاً على صحة اتهامهم بالتواطؤ مع العسكر مثل موقفهم من أحداث محمد محمود الأولى؟

الحقيقة أن الأحداث وقعت في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2011، قبل الانتخابات البرلمانية بعدة أيام، معظم مَن شارك فيها من الشباب الثوري الرافض لإجراء الانتخابات قبل صياغة الدستور. يجب ألا ننسى أنه في اليوم السابق لاندلاع هذه المواجهة، احتشد الإسلاميون والإخوان بشكل أساسي، في ميدان التحرير رفضاً لوثيقة الوزير علي السلمي، التي تضمنت بندين لدعم الجيش، أيدها الناصريون واليساريون والعلمانيون آنذاك، فيما أعلن الإسلاميون صراحة رفضهم لحكم العسكر. كيف، إذن، نتهمهم بالتواطؤ والتحالف مع المؤسسة العسكرية..
بقدر ما اعتقدنا أن الجيش سينقذ ثورة يناير، بقدر ما ظهر عبر ثلاث سنوات ونصف السنة، كيف أن هذا الاعتقاد أو هذا الترحيب والأمنيات، لم تكن في محلها من جميع الأطراف. أحد لا يستطيع أن يقول إنه لم يُحسن الظن منذ البداية بمواقف المؤسسة العسكرية من الثورة، باستثناء قلة من الشباب الذين رفضوا الخروج من الميدان بعد تنحي حسني مبارك، قناعة بأن الثورة لم تكتمل، وأثبتت الأمور بُعد نظرهم.

هل أدرك الإخوان هذه الحقيقة، ما دفعهم للتعامل بشيء من الحذر مع وضعية المؤسسة العسكرية الراسخة بحكم الزمن؟ 

بالطبع، فهم أقدر الناس على فهم هذا؛ كانوا دائماً في المواجهة والصدام مع العسكر تاريخياً، وهم يدركون حقيقة هذه المواجهة وتوازنات القوى على الأرض، وإذا دخلوا في صدام مباشر مع المؤسسة، فسيتحملون المسؤولية الكاملة عما قد يحدث.

برأيك هل كان لدى المؤسسة العسكرية خطة جاهزة لتطبيقها منذ 11 فبراير/ شباط 2011، أم أن الأمر حدث بالتدريج حتى وقع الانقلاب؟

ليس لدي إجابة على هذا السؤال، فهذا يحتاج لوثائق ومستندات، لكن المؤكد أن المؤسسة العسكرية لا يمكن أن تقبل أن يتمكن التيار الإسلامي من حكم البلد بعد نجاح الثورة. فالمؤشرات عبر ثلاث سنوات تُنبئ بأن العسكر لا يمكنهم القبول بحكم الإسلاميين أو غيرهم، لأنهم يرفضون أن يحكم غيرهم مصر. هم يرفضون الديموقراطية النزيهة والحرة التي تأتي بمَن يعبّر عن الشعب، ولا يريدون إلا تكريساً للاستبداد، متمثلاً في أن تظل المؤسسة العسكرية مركز السلطة وجوهرها وربما فوق الدولة.
الأمر الثاني الذي لا نعلمه أيضاً هو: هل كانت المؤسسة العسكرية تعلم أن الحركات الإسلامية ستكون لها أخطاء في الممارسات فتعمّدت كشفها؟ وما يعزز هذا الطرح ما قاله وزير الدفاع الأسبق، المشير طنطاوي، "لم أسلّم السلطة للإخوان بل سلّمت الإخوان للبلد".


هل رفضت المؤسسة العسكرية أن يحكم الإسلاميون مصر، أم رفضت  كل مَن يأتي من خارجها؟

ترفض المؤسسة العسكرية كل مَن يحقق الديموقراطية، سواء كان شيوعياً أو ليبرالياً أو إسلامياً، ويتضاعف رفضها لمنافسة الإسلاميين، لأنها تعلم أن لديهم ميزان ومقياس وهو الشريعة والمرجعية الإسلامية التي تضع أفضل ضوابط على الحاكم أو الرئيس فضلاً عن شعبيتها بين الجماهير، كما أنها ترفض أن يكون ولاء وانتماء المواطن لغيرها، فما بالك بأن يصبح ولاءه لفصيل ذو شعبية واسعة.

أما النخب العلمانية فلم تَنْمُ طوال تاريخها، فكل كيانها ووجودها قائم على نقد واتهام الآخر أكثر من القدرة على بناء أنفسهم.

كيف تُقيّمين دور الأحزاب الليبرالية واليسارية في ما آلت إليه الأوضاع في مصر؟

أؤكد في البداية أن كافة القوى العلمانية واليسارية والإسلامية ثورية. جميعهم شاركوا بالثورة. ومن أوائل علامات الاستقطاب، بعد التعديلات الدستورية، تقسيم الثوار والإسلاميين.
فالقوى العلمانية هي التي أرادت القفز على الثورة وليس الإسلاميين، لسبب بسيط أنهم بعد استفتاء 19 مارس/ آذار 2011، اكتشفوا حجمهم الطبيعي على الأرض، وبدأوا يعرفون جيداً أنه لن يكون لهم أي مستقبل في أي انتخابات تالية، إذا سادت حالة الحرية. هم يعرفون أنهم مهما بذلوا من جهد لبناء قدراتهم، فلن يجدوا في وقت قصير الاستجابة التي لم يستطيعوا أن يحققوها طوال أكثر من قرن على الأرض.
وعلى الرغم من أنهم كانوا يمثلون النخب العسكرية والثقافية والحزبية، التي تدّعي أنها تمثل مصر، في حين أنها لم تكن تمثل مصر أو شعب مصر ولا الجماعة السياسية. هي فرضت نموذجها من أعلى هذه النخبة، وجاهدوا  في تشويه الإسلاميين، واستخراج كل ما يمكن من فزاعات ضدهم، والعمل على منع وتأجيل الاستحقاقات الانتخابية، مستغلين كل خطأ وخطيئة يرتكبها الإسلاميون، متغاضين تماماً عن أنهم الأغلبية بحكم الصناديق.

هل استغل السيسي ذلك في تنفيذ مخطط الانقلاب؟ 

بالطبع، لأنه دخل اللعبة بدور سياسي مغازلاً القوى المدنية، ومظهراً أنه يحاول أن يقوّم الحكم ويُقدم النصيحة، وبدأ دوره يتصاعد عندما دعا المعارضة ومؤسسة الرئاسة لحوار في ديسمبر/ كانون الأول 2012.
لو كنتُ مكان الرئيس مرسي لأقلته، لكن بدا لنا أن الرئيس ما زال متمسكاً بأن الجيش في أحسن حالات خدمته للوطن، وأنه يجب أن يقدم له كل العون ليصبح جيشاً مهنياً قوياً، بعيداً عن السياسة. كان كلام الرئيس صحيحاً في حد ذاته، لكن ألم يكن يرى ماذا يفعل الجيش؟ وإن كان يرى فهل هذا كان الأسلوب الأمثل للتعامل مع الموقف، أم أن هذا كان اعترافاً ضمنياً أن ليس للرئيس سلطة حقيقية على أدوات القوة في الدولة لأنها تستعصي عليه مثل الشرطة والجيش؟ ما يؤكد ذلك قول وزير الداخلية، محمد إبراهيم، إنه لم يكن ينفذ كلام الرئيس، فضلاً عن البيروقراطية والدولة العميقة وقواعد الثورة المضادة، فلم يكن أمام الرئيس سوى خيارين ألا يترشح أو ألا يدفع الإخوان بمرشح للرئاسة من البداية، أو كان للرئيس حساباته وأنه كان يتجنب ما يمكن أن يحدث من صدام مع المؤسسة العسكرية لأطول فترة ممكنة.

هل أخطأ الرئيس عندما عيّن السيسي وزيراً للدفاع؟

المجلس العسكري هو الذي رشح السيسي لهذا المنصب وليس الرئيس، بالإضافة إلى أن هناك أموراً كثيرة ليست لدي إجابة عنها، فلم أكن جزءاً من مؤسسة الرئاسة.
ما أود التأكيد عليه في هذا الإطار أن السيسي تعمّد تنفيذ مخطط الانقلاب، والإطاحة بالرئيس المنتخب، استناداً إلى الحشود التي خرجت في 30 يونيو/ حزيران الماضي. كان من الممكن أن ينفذ قراراته بسهولة، لكنه حرص على الاتكاء على هذه الحشود والإيحاء بأن هناك ثورة لإقناع العالم والرأي العام أن هذا مطلب شعبي.
كانت هذه أكبر ضربة قاصمة للإخوان، وكانت متعمّدة حتى لا يظهر السيسي أنه في صراع مباشر مع الرئيس أو الجماعة، والإدعاء بأنه جاء لينفذ إرادة الشعب ليُرسي بذلك بذور الفتنة والحرب الأهلية بعدما جعل الإخوان أو الإسلاميين في مواجهة مباشرة للمرة الأولى مع الشعب، ليس فقط مع الدولة مثلما حدث في عهد الرئيس الراحل عبد الناصر أو الملك فاروق. هو يعتبر أن هذا انتصاره الأكبر لينتزع جذور الإسلامية الحركية السياسية السلمية.

ماذا عن مستقبل حزب النور؟

لا أسمي علاقته بالمؤسسة العسكرية تحالفاً. الحقيقة أن العسكر يوظف الحزب، والجميع يعرف أنه امتداد خارجي منذ تأسس، ومن أين كان يحصل على أمواله، ومن أين كان يلقى الدعم السياسي، ولماذا قفز إلى السياسة لينافس الإخوان كما كان قبل الثورة. الخطأ الكبير الذي وقع فيه الحزب أنه لعب السياسة ضد رافد إسلامي آخر لإسقاطه من خلال موالاة رافد مناوئ للحركة الإسلامية.
وصل الأمر بنائب رئيس الدعوة السلفية، ياسر برهامي، لأن يقول إنه "لا مانع من حل حزب النور وفقاً للدستور وأن يمارس عمله بأي طريقة"، هو بهذا يعود لينكفئ على نفسه مرة أخرى بدعوى أن الديموقراطية حرام، بعدما أدى دوره، وهذه هي قمة التواطؤ مع العسكر.
وقد حدث الشيء نفسه مع الحركات الصوفية، التي كانت دائماً على اختلاف مع السلفية، لكنهما اتحدتا الآن، واجتمعتا على دعم السيسي. هذا يكشف كيفية توظيف الدين من قبل الانقلاب، في الوقت الذي يتهمون فيه الإسلاميين بذلك على غير الحقيقة.

كيف تُقيّمين وثيقة بروكسل؟

في البداية، أرفض كلمة مصالحة، لأنها تُفهم على أنها من جانب معارضي الانقلاب الذين يرغبون في المصالحة السياسية ليتمكنوا من خوض الانتخابات، وهذا غير صحيح. الأهم هو المصالحة المجتمعية التي لن يقدر عليها السيسي الذي دق "إسفين" الاستقطاب. ما أؤكد عليه أن الشعب بجملته، مَن يؤيد السيسي أو يعارضه، لديه فطرة وحكمة أنه شعب واحد.
في ما يتعلق بالوثيقة، أرى أن توقيت الإعلان عنها مناسب، فقد جاءت في غمرة ما يسمى بـ"حملة الانتخابات الرئاسية"، وشعور الكثير من المصريين بحقيقة ما آل إليه الانقلاب، خاصة مع ظهور السيسي التلفزيوني المتكرر، بالإضافة إلى تزايد دعوات لمّ الشمل وتوحيد الصف الثوري بين القوى التي شاركت في الثورة، بعضها كان معارضاً للانقلاب منذ البداية وبعضها عاد إلى رشده بعدما أدرك حقيقة الانقلاب، لكنه ما زال محجماً عن إعادة اللحمة مع الإسلاميين بسبب هواجسهم من الإخوان.
في المقابل، هناك شباب إسلاميون يرفضون التوحّد مع مَن صمتوا على الدم الذي أريق بعد الانقلاب. يجب أن ندرك أن هناك مشكلة سياسية وذهنية ونفسية ليس بسبب الطرفين أنفسهم، لكن بسبب الإرث وما فعله الانقلاب من بث جذور الكراهية طوال ثلاث سنوات، من خلال الحض على قتل الإسلاميين وتبرير قتلهم واعتقالهم. هناك حالة غضب وغليان حذر يمكن أن تتحول إلى موجات عنف.  

انتقد البعض مكان الإعلان عن الوثيقة. كيف ترين الأمر؟

أتحفظ على مكان الإعلان عنها الذي لم يكن مناسباً، هناك مَن اقترح قبل ذلك تشكيل حكومة منفى وهو ما أرفضه تماماً، لأنه خطأ وخطيئة سياسية. تاريخ الشعب في مقاومة الاستبداد يؤكد أنه لم يعارض من الخارج أبداً، مثل المعارضة العراقية والليبية والإيرانية والسورية نتيجة لأمور كثيرة، خصوصاً لطبيعة الشعب المصري، ومن الممكن أن توظف من الخارج وتكون أداة لتدخل خارجي في مصر، وهذا ما يرفضه معارضو الانقلاب.

البعض انتقد الوثيقة لأنها لم تضع حلاً عملياً لكسر الانقلاب على الأرض؟

لن يضع أحد تصوراً لكسر الانقلاب على الأرض، فهذه ليست "وصفة طعام"، لكن مواصلة الحراك الرافض له، واستمرار مقاومته وفضحه وكشف وإظهار مساوئه وتجميع الصفوف، مع التمسك بالسلمية وعدم الانجرار للعنف الذي يريده، هو المهم.


ماذا عن الخلاف حول مطلب عودة الرئيس مرسي؟

يتعلق هذا المطلب بمستقبل الشرعية، وهذا يعني أمراً آخر: هل نعمل وفق ديموقراطية أغلبية أم ديموقراطية تشاركية؟ البعض يقول نكسر الانقلاب أولاً ثم نتفق، وهذا خطأ. لا بد من الاتفاق مع شركاء المقاومة الجدد، ماذا سنفعل معاً بعدما نضعفه حتى لا نكرر الخطأ. فعندما لم تكن هناك خطة تركنا الأمر بيد الجيش ليفعل بنا ما فعل.

ما تقييمك لرد فعل الحركات الشبابية على وثيقة بروكسل؟

كما قلت في السابق، رفض العمل معاً أمر متبادل بين الإسلاميين والنشطاء الشباب، لكن ما أود التركيز عليه هو ضرورة التمييز بين مستويين؛ الشباب على الأرض الذين ينظمون تظاهرات، وهذا كفيل بأن يوحد الفرقاء، أما النخب، وهي آفة الآفات التي تخرّب كل شيء، فقد انقسمت إلى ربع يدعم حمدين صباحي في ما يسمى بـ"الانتخابات"، وثلاثة أرباع يدعمون السيسي، ورحبوا بالعمل مع فلول مبارك طمعاً في أن يصبحوا جزءاً من السلطة رغم مطالبتهم بالدولة المدنية، وهناك مَن ينصّب نفسه في معسكر المعارضة للسلطة المقبلة. الفئة القابلة للاصطفاف هي الشباب الثوري الذي شارك في الثورة منذ بدايتها وأدرك حقيقة الانقلاب على الرغم من معارضته للإخوان من قبل.
لكن هناك مجموعة أخرى تضم حركة "شباب 6 إبريل" وجبهة "طريق الثورة"، الذين قرروا عدم تنظيم فعاليات مشتركة مع الإسلاميين بعد "الضربة" التي تعرضوا لها في 25 يناير، بعدما أدركوا ثقل اليد العسكرية للسلطة الجديدة، في ضوء قلة أعدادهم وعدم قدرتهم على الاحتمال بالرغم من كونهم من الذين فجروا الثورة.

كيف تفسرين دعم بعض هذه الحركات لصباحي في الانتخابات؟

وافق هؤلاء منذ البداية على ما حدث في 30 يونيو/ حزيران و3 يوليو/ تموز الماضيين، حتى أدركوا الحقيقة. حساباتهم ليست بناءً على معايير عليا، لكن على معايير تكتيكية، إذا قبلوا بخوض أحدهم الانتخابات فهم يعترفون إذن بشرعيتها. هذه ليست لعبة ديموقراطية لكنها لعب بالديموقراطية وعلى الديموقراطية وانقلاب على الشرعية والحرية. وما يفعله السيسي ليس إلا استفتاء على شخصه ليحقق شرعية لنفسه.

ما هي آليات الخروج من الأزمة؟

ليس هناك خطة محددة لتحقيق ذلك؛ فالأمر يحتاج لرؤى وحركة قد تستمر لسنوات عدة، فالمعركة ليست آنية بل مرحلية، خاصة أن كسر الانقلاب لا يعني رحيل السيسي واعتذراه عما فعل، أو عودة الرئيس مرسي. فالانقلاب لديه خطة وموارد وأدوات الدولة يستخدمها لتنفيذ خطته. إيمان الناس ووعيها وعودتها للاصطفاف يصل إلى مرحلة ثورة، وخروج للناس بشكل قوي يشكل ضغطاً هو الحل الوحيد، وهناك مَن يدعو لتأسيس مجلس رئاسي مدني، لكن أعضاؤه مهددون بالاعتقال في اليوم التالي.
الصورة معقدة، لكن هناك أمل للاصطفاف إذا خلصت الرؤية لأولويات الخطر، وإذا نُحّيت الحسابات الخاصة والمصالح الفئوية والحزبية الضيقة لحساب الحرية والديمقراطية.

المساهمون