تلعب هدى بالهاتف الجوال، وترتشف القليل من كوب "النسكافيه" الموضوع أمامها. تضحك ملء الوجه لدى تلقّيها رسالة صوتية عبر تطبيق (الواتس آب)، تضبط نبرتها وتتحدث مع مهندس الصوت في الاستديو. لا ترى هدى أياً من الأغراض الموجودة أمامها على الطاولة، ولا حتى مهندس الصوت! فهدى مراد كفيفة.
اختارت هدى مراد أن تواجه الإعاقة التي رافقتها منذ الولادة. ترى في كون إعاقتها خلقية أمراً إيجابياً: "تخيل أن أحدهم وضع لقمة طعام في فمك ثم سحبها". هكذا تصف هدى حال من فقد نعمة البصر بعد التمتع بها، "أما أنا فلا أعرف معنى أن أرى الأشياء أصلاً". لا تبدو هدى حزينة كالجملة التي قالتها، بل على العكس، تؤكد هدى أن إعاقتها منحتها شخصية قوية: "أنا لا أخاف، إذا استسلمت للخوف أموت".
يرافق التصميم هدى في مشوارها اليومي من جبل لبنان إلى بيروت كما ترافقها الإعاقة: "أستقل الباص يومياً من شحيم إلى بيروت (47 كيلو متراً) لأتابع دراستي في الجامعة اللبنانية، وأسجل حلقات برنامجي الإذاعي". تواجه هدى صعوبة في التنقل بين السيارات، لذا ترافقها زميلات الدراسة أو العمل.
في الإذاعة تبدو هدى مرتاحة في العمل كما في التعامل مع زملائها. "لا أشعر هنا بأنني مميزة بسبب الإعاقة، فالجميع يحاول مساعدتي عن طيبة خاطر ودون تكلف أو تصنع".
تساعد هناء، من قسم الأخبار، هدى على الدخول إلى الأستديو والجلوس مقابل "الميكروفون". تقدم حالياً برنامج (هيا نتعلم) الموجّه للصغار، "أستخدم تقنية التمثيل الإذاعي لتعريف الأطفال على أحدث الاختراعات التكنولوجية، وأقدم مختلف الشخصيات بنبرات مختلفة".
يبدي مدير دائرة البرامج في إذاعة الفجر أيمن المصري إعجابه بشجاعة هدى: "تقدمت باقتراحات برامج بكل ثقة، وبعد مناقشتها تبين لي أنها جادة وقادرة على إدارة المادة بشكل حرفي". يعدد المصري البرامج التي قدمتها هدى على مدى سنتين من عملها في الإذاعة قبيل موعد تسجيل حلقات البرنامج.
تمكنت هدى من تشكيل خلفية فكرية واسعة من خلال السفر والدراسة وإصدارها الشعري. "رغم الظروف حزت ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الشريعة، وأتابع حالياً ماجستير في اللغة العربية من الجامعة اللبنانية، كما أصدرت ديواناً شعرياً بعنوان "انا إنسان".
كذلك قاد الطموح هدى إلى الأردن والكويت لمتابعة دورات ومؤتمرات خاصة بالمكفوفين.