01 نوفمبر 2024
هل يحكم السبسي تونس بعد مرضه؟
حالة من الريبة والهلع والانتظار والترقب اجتاحت الشارع التونسي، وكل فضاءات التعبير عن الرأي، الافتراضية والجماهيرية، بعد نشر صفحة رئاسة الجمهورية التونسية، يوم الخميس 27 يونيو/ حزيران الحالي، بلاغا (بيانا) مفاده بأن رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي (93 عاما)، تعرّض لوعكة صحية حادة، استوجبت نقله إلى المستشفى العسكري في العاصمة. الفزع مأتاه انتشار إشاعة وفاة الرئيس، قبل أن تنشر رئاسة الجمهورية بلاغا جديدا، في اليوم التالي، يشير إلى تحسن صحة الرئيس، ما مكّن أن يتحدث إليه وزير الدفاع. ويعود النقاش عن صحة الباجي السبسي، ومدى قدرته على الإشراف على الدولة، وتولي أكبر المهام فيها، إلى سنة 2011 عندما تولى رئاسة الحكومة وسنّه 85 سنة، متجاوزا سن الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة بسنة، عندما تمت أقاله من هرم السلطة، وزيرُه الأول آنذاك زين العابدين بن علي، في انقلاب طبي مشهود وفريد النوع.
تزامن خبر الوعكة الصحية الحادّة، وإشاعة الموت، مع تفجيرين إرهابيين. الأول قرب السفارة الفرنسية وكاتدرائية مدينة تونس، في تخوم شارع الحبيب بورقيبة الذي يعدّ منطقة أمنية قائمة بذاتها، لا يفلت مرتادوها من الرقابة الأمنية الدقيقة. والثاني استهدف مقر فرقة مقاومة الإرهاب التي تتمتع برعاية أمنية عالية المستوى. وأعطى تزامن الحدثين شعورا لدى عوام التونسيين بأن ما حدث غير بريء، وأن الإرهاب يمكن أن يكون في خدمة السياسة وتحولات السلطة،
حتى وإن كانت العلاقة بين الإثنين لا تلاحظها العين المجرّدة، كما هو الأمر في عمليات إرهابية كبيرة عاشتها تونس سنة 2013، وأدت إلى إعادة هيكلة المشهد السياسي التونسي، وتوزيع الأدوار فيه على قاعدة جديدة، ووفق محاصصة سياسية باتت معلومة، أحسن أمثلتها لقاء باريس الذي جمع الباجي السبسي، رئيس حزب نداء تونس آنذاك، ورئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، وأدى إلى تقاسم السلطة بين الرجلين بعد انتخابات 2014 على أرضية إسقاط "النهضة" قانوني تحصين الثورة وتحديد سن الرئيس مقابل تشريكها في الحكم.
حظيت إشاعة وفاة الرئيس باهتمام غير مسبوق، من الرأي العام التونسي، وكل وسائل الإعلام المحلية، ونظيراتها الأجنبية، وشبكات التواصل الاجتماعي، والمنتديات الشعبية والرسمية، ومجالس النخب الفكرية والسياسية، ما جعل العمليات الإرهابية التي تزامنت معها مجرد حدث روتيني، لم يؤثر ألبتة في مجريات الحياة العامة والمعيش اليومي للتونسيين، وفي السير العادي لمؤسسات الدولة والإدارة التونسية، والتزاماتها تجاه مواطنيها.
لم يكن مردّ انتشار الإشاعة بصورة واسعة، الرغبة في معرفة حقيقة الوفاة من عدمها فقط، وإنما صاحب ذلك تعاطف واسع، مع أول رئيس منتخب انتخابا مباشرا من الشعب بطريقة ديمقراطية، حتى أن خصومه ومنافسيه سبقوا أنصاره ومريديه، في الدعاء له بالشفاء، والعودة إلى قصر قرطاج لإتمامه وظيفته وإنهاء عهدته الرئاسية. ولم تقوّم التدوينات التي ذكّرت
بتجاربه في حكومات الاستبداد، ودوره في تعذيب اليوسفيين (أنصار الزعيم المغتال صالح بن يوسف)، إبّان إشرافه على وزارة الداخلية، في ستينيات القرن الماضي، في حكم بورقيبة، وتوليه رئاسة مجلس النواب، في حكم بن علي، وانتصاره لابنه، ما أدى إلى تفتيت حزبه الذي أسسه سنة 2012، نداء تونس، وتشظّي كتلته البرلمانية، وفقدانه الأغلبية التي تمكّنه من الحكم، لم تقوّم هذه التدوينات على أنها تتمتع بالجدية، في ظل الوضع العصيب الذي تعيشه البلاد اقتصاديا وماليا وأمنيا وسياسيا، وما يتهدّد الانتقال الديمقراطي من مخاطر جادّة.
محاولات عديدة، من أطراف في السلطة، وأخرى حزبية، تسوّق أن الرئيس التونسي قد تخطى الأزمة الصحية الحادّة، وبدأ يتعافى، بما يساعد على ممارسته صلاحياته الدستورية من جديد، حتى أن نجله دوّن أن والده سيغادر المستشفى خلال أيام. وعلى الرغم من أن هذه المحاولات خفّفت من وطأة خبر مرض الرئيس، وإشاعة وفاته، على الرأي العام، إلا أن عدم إعداد المستشفى العسكري تقريرا طبيا، وعدم نشر صور للرئيس مع من زاروه وتحدّثوا إليه، ولاسيما رئيسا الحكومة ومجلس النواب، والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، والبيانات المبهمة التي صاحبت تلك الزيارات، لا يؤيد خبر التعافي، ناهيك عن قدرته على تحمل مسؤولية رئاسة الدولة من جديد.
ويبدو أن الساحة السياسية التونسية مُقدمة على سيناريوهات كثيرة في الأيام المقبلة، على شاكلة النموذج البوتفليقي الذي يكون فيه الرئيس مجرّد واجهة وصورة جامدة، ويمكّن الحاشية، وخاصة السبسي الابن وأسرته الموسعة، من الحكم، والرئيس في حالة عجز تام، أو في غيبوبة حقيقية، أو المثال النوفمبري وانقلاب بن علي سنة 1987، بأن يتولّى رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، مهام الرئاسة، بناء على تقرير طبي مزوّر، يفيد بشغور مؤقت، وترتيب الأمور لاستمراره في السلطة. أما النموذج الأكثر واقعية ودستورية، فهو تولي رئيس مجلس نواب الشعب الرئاسة، بناءً على إقرار الفريق الطبي عجز الرئيس، ومن ثمّة حالة الشغور الدائم، وتنظيم انتخابات رئاسية في فترة لا تقل عن 45 يوما ولا تتجاوز 90 يوما وفق ما يضبطه دستور تونس لسنة 2014. ولكن هذه السناريوهات مجتمعة تصطدم بقاعدة دستورية، تفيد بأن المحكمة الدستورية التي لم تر النور بعد هي الجهة الوحيدة المخوّل لها
معاينة الوضعية الصحية للرئيس، بناء على تقرير طبي يعدّ في الغرض، بموجبه تعلن الشغور الدائم. بينما يقتضي الشغور المؤقت تفويض الرئيس نفسه صلاحياته إلى رئيس الحكومة، وهو ما لا يمكن أن يحدُث في حالة المرض العضال والغيبوبة. وهناك خشية حقيقية من الطبقة السياسية تجاه المسارات الثلاثة، لما قد تؤدي إليه من نكوصٍ وارتدادٍ على المسار الديمقراطي، وتغلغل مافيا الفساد والسياسة في هرم السلطة، أو التأسيس لمسارٍ استبدادي قمعي، يؤدي إلى احتكار السلطة، إن هي تجمّعت في يد واحدة. وحتى المسار الثالث، الأقرب إلى التمشّي الدستوري، وصيانة الديمقراطية، وحفظها، أسلوبا دائما للحكم والتداول السلمي على السلطة، عليه مآخذ، من قبيل تنظيم الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات التشريعية، الأمر الذي ترفضه أحزاب كبرى ذات حسابات حزبية ضيقة ودقيقة.
وتكاد عودة رئيس الجمهورية إلى سدّة الرئاسة تكون أمرا مستحيلا، إلا في حالة واحدة نادرة، وهي تأخير الانتخابات مع تعافيه التام، فولاية الرجل أوشكت على نهايتها، وقدرته على الحكم تضاءلت أو انتفت، ومن غير الممكن ترشيحه من جديد. وما حمّى التأويلات والقراءات القانونية التي انتشرت في وسائل الإعلام والبلاتوهات التلفزيونية، والاستنجاد بخبراء القانون الدستوري وأكاديميي العلوم السياسية، إلا دليل على أن السجالات السياسية، وما تخفيه من صراعات على السلطة، تهدف إلى تأمين ملامح الرئيس القادم، أكثر منه البحث عن مخرج لوضع الرئيسي الحالي، وإنقاذ تجربته التي لم تعد تقبل الإنقاذ، بسبب شيخوخة الرجل البيولوجية والسياسية.
حظيت إشاعة وفاة الرئيس باهتمام غير مسبوق، من الرأي العام التونسي، وكل وسائل الإعلام المحلية، ونظيراتها الأجنبية، وشبكات التواصل الاجتماعي، والمنتديات الشعبية والرسمية، ومجالس النخب الفكرية والسياسية، ما جعل العمليات الإرهابية التي تزامنت معها مجرد حدث روتيني، لم يؤثر ألبتة في مجريات الحياة العامة والمعيش اليومي للتونسيين، وفي السير العادي لمؤسسات الدولة والإدارة التونسية، والتزاماتها تجاه مواطنيها.
لم يكن مردّ انتشار الإشاعة بصورة واسعة، الرغبة في معرفة حقيقة الوفاة من عدمها فقط، وإنما صاحب ذلك تعاطف واسع، مع أول رئيس منتخب انتخابا مباشرا من الشعب بطريقة ديمقراطية، حتى أن خصومه ومنافسيه سبقوا أنصاره ومريديه، في الدعاء له بالشفاء، والعودة إلى قصر قرطاج لإتمامه وظيفته وإنهاء عهدته الرئاسية. ولم تقوّم التدوينات التي ذكّرت
محاولات عديدة، من أطراف في السلطة، وأخرى حزبية، تسوّق أن الرئيس التونسي قد تخطى الأزمة الصحية الحادّة، وبدأ يتعافى، بما يساعد على ممارسته صلاحياته الدستورية من جديد، حتى أن نجله دوّن أن والده سيغادر المستشفى خلال أيام. وعلى الرغم من أن هذه المحاولات خفّفت من وطأة خبر مرض الرئيس، وإشاعة وفاته، على الرأي العام، إلا أن عدم إعداد المستشفى العسكري تقريرا طبيا، وعدم نشر صور للرئيس مع من زاروه وتحدّثوا إليه، ولاسيما رئيسا الحكومة ومجلس النواب، والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، والبيانات المبهمة التي صاحبت تلك الزيارات، لا يؤيد خبر التعافي، ناهيك عن قدرته على تحمل مسؤولية رئاسة الدولة من جديد.
ويبدو أن الساحة السياسية التونسية مُقدمة على سيناريوهات كثيرة في الأيام المقبلة، على شاكلة النموذج البوتفليقي الذي يكون فيه الرئيس مجرّد واجهة وصورة جامدة، ويمكّن الحاشية، وخاصة السبسي الابن وأسرته الموسعة، من الحكم، والرئيس في حالة عجز تام، أو في غيبوبة حقيقية، أو المثال النوفمبري وانقلاب بن علي سنة 1987، بأن يتولّى رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، مهام الرئاسة، بناء على تقرير طبي مزوّر، يفيد بشغور مؤقت، وترتيب الأمور لاستمراره في السلطة. أما النموذج الأكثر واقعية ودستورية، فهو تولي رئيس مجلس نواب الشعب الرئاسة، بناءً على إقرار الفريق الطبي عجز الرئيس، ومن ثمّة حالة الشغور الدائم، وتنظيم انتخابات رئاسية في فترة لا تقل عن 45 يوما ولا تتجاوز 90 يوما وفق ما يضبطه دستور تونس لسنة 2014. ولكن هذه السناريوهات مجتمعة تصطدم بقاعدة دستورية، تفيد بأن المحكمة الدستورية التي لم تر النور بعد هي الجهة الوحيدة المخوّل لها
وتكاد عودة رئيس الجمهورية إلى سدّة الرئاسة تكون أمرا مستحيلا، إلا في حالة واحدة نادرة، وهي تأخير الانتخابات مع تعافيه التام، فولاية الرجل أوشكت على نهايتها، وقدرته على الحكم تضاءلت أو انتفت، ومن غير الممكن ترشيحه من جديد. وما حمّى التأويلات والقراءات القانونية التي انتشرت في وسائل الإعلام والبلاتوهات التلفزيونية، والاستنجاد بخبراء القانون الدستوري وأكاديميي العلوم السياسية، إلا دليل على أن السجالات السياسية، وما تخفيه من صراعات على السلطة، تهدف إلى تأمين ملامح الرئيس القادم، أكثر منه البحث عن مخرج لوضع الرئيسي الحالي، وإنقاذ تجربته التي لم تعد تقبل الإنقاذ، بسبب شيخوخة الرجل البيولوجية والسياسية.