10 نوفمبر 2024
وجهان لعملة واحدة... التطرف والاستبداد
تتوالى التصريحات الروسية بخصوص القوى المسلحة المعتدلة، والمعتدلة نسبياً، على الساحة السورية. ويظهر التخبط المنظّم الذي بدأ قبل التدخل الروسي العسكري المباشر في سبتمبر/أيلول الماضي. فمن جهة، كرّر الدبلوماسيون الروس، على أسماع القوى الغربية التي حاوروها، إنه لا توجد فصائل معارضة معتدلة في سورية. ووصل بهم حد الاستهزاء بهذه النظرية إلى أن يطلب وزير الخارجية، سيرغي لافروف، رقم هاتفٍ يوصله بهذه الفصائل، إن كان صحيحاً الادعاء بوجودها وبإمكانية الاعتماد عليها في المحافظة على مؤسسات الدولة، في حالة الانتقال السياسي التدريجي الذي يستند إلى مبادئ جنيف، والذي يستلزم نقل السلطات من قيادة سياسية وأمنية وعسكرية، بدأت الحرب ضد المدنيين، واستمرت في تسعير التطرف والقتال المسلح، من خلال إدارة أمنية لحركة احتجاجات سياسية.
من جهة أخرى، يُحاول الروس، اليوم، وبعد أكثر من شهر على بدء عملياتهم التدميرية وغاراتهم العنقودية، وغيرها من أشكال التخريب الشامل، على أهدافٍ يدّعون أنها تتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية، وتؤكد الجهات المحايدة والوقائع أنها تستهدف، أولاً وأساساً، الفصائل المعتدلة والمعتدلة نسبياً، يحاولون التواصل مع من يعتبرونهم غير موجودين. وتتوالى التصريحات الدقيقة وغير الدقيقة، عن نيات روسية بالاجتماع مع ممثلين عن هذه الفصائل في أبوظبي، أو في القاهرة، حتى إن الميلودراما الروسية، التي ساعدتها خيالات سورية متقدمة في اختراع الأساطير، فتحدثت عن دعوة عبر "سكايب" للحوار مع ممثلي فصائل المعارضة.
إن صحّت هذه النيّة أم لم تتأكد، يبدو أنه من المهم التوقف عند دلالاتها، فمجرد الحديث عنها يُعتبر مؤشّراً واضحاً على وصول الروس، مبكراً نسبياً، إلى قناعة عسكرية وسياسية بضرورة الخروج من منطق "غروزني هي الحل"، كما سبق أن أكد عليه أكثر من مستشار ومسؤول عالي المستوى من محيط الكرملين. فالسيناريو الشيشاني الذي يتطلب تدميراً شاملاً، وفرض الحل بالقوة، يبدو أنه غير قابل للتحقّق في سورية، على الرغم من قناعة أولية بإمكانية تحققه.
في المقابل، في السيناريو الشيشاني تفاصيل غابت، بعض الشيء، عن الملاحظين، وهي تتعلّق
أيضاً، بالإضافة إلى الحل العسكري الشامل، بحل سياسي جزئي، فقد جرت مفاوضات مكوكية بين المخابرات الروسية وفصائل متشددة في غروزني ومحيطها، للوقوف مع المحتل الروسي في مقابل تقديمات عينية ومالية مناسبة، وقد نجحت تلك الخطة بتشتيت القوى المسلحة التي كانت تواجه القوات الروسية. وبالتالي، حصلت هذه الفصائل، وخصوصاً المتشدد منها، على حصة في الغنيمة الجديدة، وشاركت في أجهزة الحكم المحلية التي نصّبتها موسكو، إضافة إلى مساهمتها الفاعلة وذات الخبرة المديدة في أجهزة النهب والسلب الاقتصادية المعزّزة بشبكة مافيا ترعاها العيون الساهرة للحكم المركزي في موسكو، فالتوجه الدائم لقوى الاحتلال، مهما تنوعت، ومها اختلفت مسمياتها، هو القضاء على القوى المعتدلة، والتي يمكن أن تشكّل خطراً سياسياً واقعياً في نظرتها للأمور وتحليلاتها الواعية للمصلحة الوطنية. في المقابل، يسعى الغازي، تحت أي مسمى، إلى التواصل، بل والتحالف مع من هم الأكثر تشدداً وتطرّفاً، لأنه يعرف الأرضية التي قامت عليها أسسهم. وهو يعرف، بالتالي، أنه من خلالها سيتمكن من إحكام السيطرة على المجتمع، تحت مسميات عدة. حليف المحتل المحلي أو الخارجي هو المتطرف دينياً، مهما ادعى الطرفان عكس ذلك. مصالحهما تتقاطع، بعد فراق لا يطول.
يبدأ تعزيز التطرف من الصغر كالنقش في الحجر، فمن مؤسسات تربوية وتعليمية فاشلة إلى حركة فكرية محبطة في أحسن الحالات، أو هي مقموعة في مجمل الحالات، إلى الرغبة الواضحة والشديدة بتعزيز دور رجال الدين الرسميين المُراقبين والموجّهين لغسل أدمغة الشباب، ودفعهم إلى الاهتمام المحدود في مجال العبادات والممارسات الدينية اليومية والرمزية، بعيداً عن تطوير الفكر النقدي الذي يكاد يُهدد كل مستبد. ولا يبدو أن مواجهة هذا التطرف تزعج كثيراً الروس في الشيشان اليوم.
وتتحدث الأخبار عن مدرسة دينية شيشانية، برعاية دمية الروس، رمضان قاديروف، والي موسكو المعين على هذه الجمهورية الصغيرة وذات البأس الكبير، وتتفاخر موسكو بوجود مثل هذه المدرسة، وتعتبرها وسيلتها الدينية للانتشار وللتوسع في البلاد المسلمة. هذه المدرسة، إنْ صحّ اعتبارها كذلك، أداة جديدة ترعاها الإمبريالية الروسية الصاعدة في إطار سعيها إلى استخدام كل الطرائق لتعزيز هيمنتها المحلية، وفي الإطارات الحيوية لسياساتها، وسورية منها.
الادعاء الروسي المتكرر بالسعي إلى تعزيز العلمانية التي لم توجد أصلاً في سورية، يصبح نوعاً من العبث. ومسرح العبث الروسي الذي يُقدّم بإخراج ضعيف، وبتمثيل رديء، يحلو لبعضهم، ويمكن له أن يجذب بعض المشاهدين، وحتى الممثلين الغربيين.
يبقى، إذن، المعتدلون وحيدين على الساحة، وأمامهم أعداء متعددو المشارب والتوجهات. ينفي الروس وجودهم، والغربيون لم يبرحوا يتساءلون، منذ الأيام الأولى للانتفاضة السورية، عن عنوانهم الذي ساهم تشتت المعارضة السورية في إضاعته. وهم في النهاية إن استطاعوا تجاوز كل هذه المحن السياسية والعسكرية، يقعون فريسة المتطرفين، استقطاباً أو محاربة.
من جهة أخرى، يُحاول الروس، اليوم، وبعد أكثر من شهر على بدء عملياتهم التدميرية وغاراتهم العنقودية، وغيرها من أشكال التخريب الشامل، على أهدافٍ يدّعون أنها تتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية، وتؤكد الجهات المحايدة والوقائع أنها تستهدف، أولاً وأساساً، الفصائل المعتدلة والمعتدلة نسبياً، يحاولون التواصل مع من يعتبرونهم غير موجودين. وتتوالى التصريحات الدقيقة وغير الدقيقة، عن نيات روسية بالاجتماع مع ممثلين عن هذه الفصائل في أبوظبي، أو في القاهرة، حتى إن الميلودراما الروسية، التي ساعدتها خيالات سورية متقدمة في اختراع الأساطير، فتحدثت عن دعوة عبر "سكايب" للحوار مع ممثلي فصائل المعارضة.
إن صحّت هذه النيّة أم لم تتأكد، يبدو أنه من المهم التوقف عند دلالاتها، فمجرد الحديث عنها يُعتبر مؤشّراً واضحاً على وصول الروس، مبكراً نسبياً، إلى قناعة عسكرية وسياسية بضرورة الخروج من منطق "غروزني هي الحل"، كما سبق أن أكد عليه أكثر من مستشار ومسؤول عالي المستوى من محيط الكرملين. فالسيناريو الشيشاني الذي يتطلب تدميراً شاملاً، وفرض الحل بالقوة، يبدو أنه غير قابل للتحقّق في سورية، على الرغم من قناعة أولية بإمكانية تحققه.
في المقابل، في السيناريو الشيشاني تفاصيل غابت، بعض الشيء، عن الملاحظين، وهي تتعلّق
يبدأ تعزيز التطرف من الصغر كالنقش في الحجر، فمن مؤسسات تربوية وتعليمية فاشلة إلى حركة فكرية محبطة في أحسن الحالات، أو هي مقموعة في مجمل الحالات، إلى الرغبة الواضحة والشديدة بتعزيز دور رجال الدين الرسميين المُراقبين والموجّهين لغسل أدمغة الشباب، ودفعهم إلى الاهتمام المحدود في مجال العبادات والممارسات الدينية اليومية والرمزية، بعيداً عن تطوير الفكر النقدي الذي يكاد يُهدد كل مستبد. ولا يبدو أن مواجهة هذا التطرف تزعج كثيراً الروس في الشيشان اليوم.
وتتحدث الأخبار عن مدرسة دينية شيشانية، برعاية دمية الروس، رمضان قاديروف، والي موسكو المعين على هذه الجمهورية الصغيرة وذات البأس الكبير، وتتفاخر موسكو بوجود مثل هذه المدرسة، وتعتبرها وسيلتها الدينية للانتشار وللتوسع في البلاد المسلمة. هذه المدرسة، إنْ صحّ اعتبارها كذلك، أداة جديدة ترعاها الإمبريالية الروسية الصاعدة في إطار سعيها إلى استخدام كل الطرائق لتعزيز هيمنتها المحلية، وفي الإطارات الحيوية لسياساتها، وسورية منها.
الادعاء الروسي المتكرر بالسعي إلى تعزيز العلمانية التي لم توجد أصلاً في سورية، يصبح نوعاً من العبث. ومسرح العبث الروسي الذي يُقدّم بإخراج ضعيف، وبتمثيل رديء، يحلو لبعضهم، ويمكن له أن يجذب بعض المشاهدين، وحتى الممثلين الغربيين.
يبقى، إذن، المعتدلون وحيدين على الساحة، وأمامهم أعداء متعددو المشارب والتوجهات. ينفي الروس وجودهم، والغربيون لم يبرحوا يتساءلون، منذ الأيام الأولى للانتفاضة السورية، عن عنوانهم الذي ساهم تشتت المعارضة السورية في إضاعته. وهم في النهاية إن استطاعوا تجاوز كل هذه المحن السياسية والعسكرية، يقعون فريسة المتطرفين، استقطاباً أو محاربة.