07 نوفمبر 2024
وعد بلفور في مئة سنة
يستوعب سِجِلُّ وعد بلفور في تاريخ القضية الفلسطينية مواقف عديدة عبرت عن أشكال تطوُّر الوعي بالقضية في تاريخنا المعاصر. قد نتفق أو نختلف مع بعض هذه المواقف، ومع السياقات التي سمحت بتبلورها، إلا أنه لا خلاف بشأن مسألة التوجه الاستعماري الذي حَدَّدَه التصريح المذكور. ولا خلاف، أيضاً، في أنه لم يكن بإمكان الوعد أن يُعْلَنَ لِيُمَهِّد لما حَصَلَ، زَمَنَ حُصُولِهِ سنوات الحرب العالمية الأولى، من دون تَوَفُّر جملةٍ من الشروط التاريخية والسياسية.
صادفت ذكرى الوعد هذه السنة اكتمال قرنٍ على التصريح الذي أعلن إقامة وطن لليهود في فلسطين. وقد واكبت حصول الحدث الاستعماري، بمختلف تبعاته، ثلاثة أجيال عاشت إضافة إلى الوعد، حَدَثَ تقسيم فلسطين سنة 1948، وشهد جيلان قبل نصف قرن هزيمة 67.
نواجه في قلب العلامات الزمنية التي تؤرخ للمنعطفات الكبرى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي مآسي كثيرة، تجرّعت فيها أجيال من الشباب الفلسطيني والعربي ويلاتٍ يصعب توصيف أماراتها في جملٍ وكلمات، ذلك أن تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني في مختلف تحوُّلاته، يضعنا أمام سلسلة طويلة من المعارك التي اتخذت أبعاداً لا حصر لها. فقد ترتَّب عن التقسيم والاستيطان والقتل والتشريد والتهجير، ومختلف صور التنكيل التي لحقت بشعبٍ وذاكرةٍ وتاريخ. كما ترتَّب عن مختلف الحروب التي خاضها الفلسطينيون مع المحتل مئات بل آلاف الضحايا والْمُهَجَّرِين، وتاريخٌ من الطغيان المسنود بتواطؤ قوى سياسية عديدة، والمسنود كذلك بمنطق القوة الصانعة اليوم مختلف مآلات الصراع وأحلام السلام، حيث يذكِّرنا الوعد بأن فعل الاحتلال استند، منذ البداية، إلى محيط إقليمي ودولي، حاضِنٍ ومُوَظِّفٍ للمشروع الصهيوني في محيطنا التاريخي.
تحدَّث كثيرون عن مطلب اعتذار البريطانيين عن الوعد، وهؤلاء أَعَدُّوا العُدَّة للاحتفال بقرن
على إعلانه.. ولكن، لماذا يعتذر المعتذرون؟ ماذا تغير في واقع الحال الفلسطيني والعربي والدولي؟ ما زال منطق القوة والمصلحة يشكل القاعدة المركزية في صُور الصراع القائمة في المشرق العربي وفي العالم.
ليست ذكرى الوعد مناسبة لطلب الاعتذار، بل هي مناسبة لبناء منطق جديد في التعامل مع الاستعمار الاستيطاني. وإذا كنا نعي جيداً أن إسرائيل تواصل اليوم عمليات تتميم مشروعها الاستعماري وترسيخه، فمن حقنا أن نواجه عنصريتها وغطرستها بوحدة الصف الفلسطيني أولاً، ثم بناء المقتضيات المناسبة للتحوُّلات التي حصلت في الوعيين، العربي والوطني الفلسطيني والتحرُّك في ضوئها. وكم كأن من المتمنى، مع متابعة آراء الذين استحضروا مئوية الذكرى وتعليقاتهم أن تكون مواجهتهم عقلانية وتاريخية، فعندنا من البكائيات اليوم في الحاضر العربي ما يكفي.
إذا كان واقع الحال اليوم في إسرائيل يطابق روح وعد بلفور ومنطوقه، حيث المسافة الزمنية بين الوعد والراهن أتمت قرناً، فإن المطلوب منا في الراهن العربي أن نتوقف عن اللغة التي
استأنسنا بها، ونحن نفكر في أعطابنا التاريخية، أي إلقاء تَبِعَات هزائمنا على الآخرين ومؤامراتهم. وبدل ذلك، علينا أن نفكر في السياقات التي تحضر فيها مئوية العقد، سياقات الوضع الإسرائيلي والفلسطيني، وسياقات الراهن العربي، لعلنا نُدرك جيداً حدود مآزقنا الجديدة والقديمة، ونرتب الخطط الكفيلة بإطلاق مشاريع تجاوزها قبل حصول الاندحار الأكبر.
نتصوَّر أنه لا وقت اليوم للمناحات والأحزان السقيمة، بحكم أنها بمنطق العقل والوجدان تحصيل حاصل. لنفكر في السياق العربي العام، الْمُوَاكِب اليوم للذكرى، حيث يعرف الراهن العربي، مشرقاً ومغرباً، تصدُّعاً كثيراً متصاعداً ومتواصلاً. وإذا كنا نعرف أن زمن الاحتلال والتقسيم، ثم الاستيطان، واكب أزمنة الحماية والاستعمار، وأن زمن هزيمة 67 واكب أبرز ملامح تأخرنا التاريخي، وعجزنا عن بناء قوة عربية ذاتية، فإن مرور مئة سنة على العقد يصادف في حاضرنا ارتباكاً شاملاً وتناقضات عديدة، داخل أغلب البلدان العربية، ووسط النخب الفلسطينية، على الرغم من أنها تحمل اليوم في أغلبها شعارات التسوية والسلام.
نحن في أمسّ الحاجة إلى مواقف نقدية صارمة لمآلاتنا اليوم، فما لَحِقَ بالقضية، في ضوء الصراع المتواصل بين القوى الوطنية الفلسطينية، يدفع اليوم ثمنه الباهظ الفلسطينيون في الداخل والخارج، وينعكس على آليات التضامن العربية والدولية. أما ملامح التصدّع الحاصلة في المحيط العربي، فتشير إلى أن بدايات العقد الأول في المئوية الجديدة، في سجل وعد بلفور وسجل الكيان الصهيوني، مجسماً في دولة إسرائيل، يبرز الطابع البئيس للصف العربي، ويمنح إسرائيل عناصر استقوائها المتواصلة على حساب الطموحات الفلسطينية والعربية.
إذا كنا نعرف اليوم أن إسرائيل ما تزال تتمتع بدعم القوى الكبرى في عالمٍ لا يعرف إلا منطق المصالح، أدركنا مقدار إتقان إسرائيل هذه اللغة، وما يصاحبها من مواقف، وأدركنا، في الآن نفسه، عجز الفلسطينيين والعرب عن استيعاب هذه اللغة ومقدّماتها.
صادفت ذكرى الوعد هذه السنة اكتمال قرنٍ على التصريح الذي أعلن إقامة وطن لليهود في فلسطين. وقد واكبت حصول الحدث الاستعماري، بمختلف تبعاته، ثلاثة أجيال عاشت إضافة إلى الوعد، حَدَثَ تقسيم فلسطين سنة 1948، وشهد جيلان قبل نصف قرن هزيمة 67.
نواجه في قلب العلامات الزمنية التي تؤرخ للمنعطفات الكبرى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي مآسي كثيرة، تجرّعت فيها أجيال من الشباب الفلسطيني والعربي ويلاتٍ يصعب توصيف أماراتها في جملٍ وكلمات، ذلك أن تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني في مختلف تحوُّلاته، يضعنا أمام سلسلة طويلة من المعارك التي اتخذت أبعاداً لا حصر لها. فقد ترتَّب عن التقسيم والاستيطان والقتل والتشريد والتهجير، ومختلف صور التنكيل التي لحقت بشعبٍ وذاكرةٍ وتاريخ. كما ترتَّب عن مختلف الحروب التي خاضها الفلسطينيون مع المحتل مئات بل آلاف الضحايا والْمُهَجَّرِين، وتاريخٌ من الطغيان المسنود بتواطؤ قوى سياسية عديدة، والمسنود كذلك بمنطق القوة الصانعة اليوم مختلف مآلات الصراع وأحلام السلام، حيث يذكِّرنا الوعد بأن فعل الاحتلال استند، منذ البداية، إلى محيط إقليمي ودولي، حاضِنٍ ومُوَظِّفٍ للمشروع الصهيوني في محيطنا التاريخي.
تحدَّث كثيرون عن مطلب اعتذار البريطانيين عن الوعد، وهؤلاء أَعَدُّوا العُدَّة للاحتفال بقرن
ليست ذكرى الوعد مناسبة لطلب الاعتذار، بل هي مناسبة لبناء منطق جديد في التعامل مع الاستعمار الاستيطاني. وإذا كنا نعي جيداً أن إسرائيل تواصل اليوم عمليات تتميم مشروعها الاستعماري وترسيخه، فمن حقنا أن نواجه عنصريتها وغطرستها بوحدة الصف الفلسطيني أولاً، ثم بناء المقتضيات المناسبة للتحوُّلات التي حصلت في الوعيين، العربي والوطني الفلسطيني والتحرُّك في ضوئها. وكم كأن من المتمنى، مع متابعة آراء الذين استحضروا مئوية الذكرى وتعليقاتهم أن تكون مواجهتهم عقلانية وتاريخية، فعندنا من البكائيات اليوم في الحاضر العربي ما يكفي.
إذا كان واقع الحال اليوم في إسرائيل يطابق روح وعد بلفور ومنطوقه، حيث المسافة الزمنية بين الوعد والراهن أتمت قرناً، فإن المطلوب منا في الراهن العربي أن نتوقف عن اللغة التي
نتصوَّر أنه لا وقت اليوم للمناحات والأحزان السقيمة، بحكم أنها بمنطق العقل والوجدان تحصيل حاصل. لنفكر في السياق العربي العام، الْمُوَاكِب اليوم للذكرى، حيث يعرف الراهن العربي، مشرقاً ومغرباً، تصدُّعاً كثيراً متصاعداً ومتواصلاً. وإذا كنا نعرف أن زمن الاحتلال والتقسيم، ثم الاستيطان، واكب أزمنة الحماية والاستعمار، وأن زمن هزيمة 67 واكب أبرز ملامح تأخرنا التاريخي، وعجزنا عن بناء قوة عربية ذاتية، فإن مرور مئة سنة على العقد يصادف في حاضرنا ارتباكاً شاملاً وتناقضات عديدة، داخل أغلب البلدان العربية، ووسط النخب الفلسطينية، على الرغم من أنها تحمل اليوم في أغلبها شعارات التسوية والسلام.
نحن في أمسّ الحاجة إلى مواقف نقدية صارمة لمآلاتنا اليوم، فما لَحِقَ بالقضية، في ضوء الصراع المتواصل بين القوى الوطنية الفلسطينية، يدفع اليوم ثمنه الباهظ الفلسطينيون في الداخل والخارج، وينعكس على آليات التضامن العربية والدولية. أما ملامح التصدّع الحاصلة في المحيط العربي، فتشير إلى أن بدايات العقد الأول في المئوية الجديدة، في سجل وعد بلفور وسجل الكيان الصهيوني، مجسماً في دولة إسرائيل، يبرز الطابع البئيس للصف العربي، ويمنح إسرائيل عناصر استقوائها المتواصلة على حساب الطموحات الفلسطينية والعربية.
إذا كنا نعرف اليوم أن إسرائيل ما تزال تتمتع بدعم القوى الكبرى في عالمٍ لا يعرف إلا منطق المصالح، أدركنا مقدار إتقان إسرائيل هذه اللغة، وما يصاحبها من مواقف، وأدركنا، في الآن نفسه، عجز الفلسطينيين والعرب عن استيعاب هذه اللغة ومقدّماتها.