مع ظهيرة السادس من حزيران أعلن بيان عسكري عن سقوط القنيطرة، ونحن الأطفال نتساءل: كيف وقعت القنيطرة، وكيف لمدينة أن تقع، لأننا لم نكن ندرك معنى السقوط. لكننا كنا على يقين من أنّ حدثاً جللاً قد حدث من دموع الرجال.
من يقترب من الشارع الفلسطيني، سيلحظ إلى أي مدى، باتت هذه الحركة، موضع اتهام. وإذا ما اعتبرنا، كما هو مفترض، أن الشعب هو من يمنح الشرعية أو يحجبها عن أي قيادة، فإننا اليوم أمام حركة وطنية فقدت كل شرعية.
لساني ما فتئ يلهج: يمّا يمّا، وأنا أضع الوردة على ما تبقى من الشاهدة، وسلوى تحاول أن تلملم ما تناثر من قبر أمي بقذيفة عمياء، وحين تنتهي من لملمة تراب قبرها وعظامها، تترك لي فرصة أن أفرد العباءة على القبر.
أم العبد ما زالت في المخيم، في شارع كفر قاسم. أحاول الاتصال بها ولا أنجح. منذ فترة ليست بعيدة علمت أن ابنها الأصغر قد مات قنصاً وهو يحاول أن يستلم الكرتونة الغذائية من لجان الإغاثة.
العجوز التي بكت عمرها وصرخت ملء الكون "يا أهل النخوة"، فقط لتواري جسد ابنها الذي لا تعرف أين طار رأسه، لم يقترب منها أحد، بقي ابنها مسجى، لأن أحداً لم يكن يرغب بالتحول إلى هدف لقناصٍ جاهزٍ لفريسة جديدة.