أحلى حاجة في الدنيا!
قطع تركيزي وأنا أعمل ظهيرة أحد أيام البرد القارص اتصال حمزة ابن أختي ذي الأحد عشر عاما قائلا في رسالة تلغرافية استغاثية عاجلة: "عبدالله حيموت مني"، ومن الواضح أنه استنفد كل المحاولات في فض الاشتباك بين أخيه وأخته، فقلت له صلني بعبد الله فكلمني عبدالله ابن العاشرة وهو مستشيط غضبا وممتعض من الحديث، ولما سألته ماذا حدث، زاد غضبه وقال: "أقولك علشان تدافعي عن منى وتقول لي صغيرة زي ما بابا وماما وجدو وعمتو دايما يقولوا لي مهما عملت؟!"، قلت له: "من قال لك ذلك؟!"، "ولا يجرمنكم شنآن قوم علىٰ ألا تعدلوا"، كما قال ربنا، فلا يمكن أن أحكم إلا بالعدل مهما كان، فقل لي ماذا حدث؟ بدأ عبدالله يهدأ ورد قائلا: "طلبت مني منى أن تلعب بلعبتي من فترة ووافقت ولعبت بها مرات كثيرة والنهاردة بتقول إن اللعبة بتاعتها ولما قلت لها إنها بتاعتي وأنا أسمح لك باللعب بها أصرت على أنها بتاعتها وكمان حلفت فكان لازم أؤدبها، موش اللعبة تبقى بتاعتي؟"، وعندما قلت له: "ما دمت لم تعطها لها بشكل نهائي لا رجعة فيه وكنت فقط تسمح لها أخويا باللعب بها تظل بالتأكيد لعبتك"، هدأت نفسه أكثر.
وعندما وصلني عبدالله بمنى ابنة الخامسة أخذت تدافع عن موقفها بكل حماسة وكانت حجتها أنها تلعب باللعبة منذ فترة وعبدالله أصبح لا يلعب بها فـ"بقت بتاعتي". فقلت لها: "تخيلي لو طلبت منك أن ألعب بعروستك بعض الوقت فوافقت فطلبتها ثانية طمعا في كرمك وثالثة ورابعة ثم قلت إنها عروستي، فهل تنزعجين"؟ سكتت وفترت حماستها كالمذنب الذي انكشف خطأه وردت على مضض بالصوت لا بالكلام في خجل محسوس "آه"، فقلت لها: "إذن لماذا لا تحبين لأخيك ما تحبينه لنفسك، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنا واثقة أنك تقدرين على ذلك، وبالتالي تتفهمين الآن موقف عبدالله منك". فوعدتني في نهاية المكالمة بعد سجال طويل بأنها ستطلب من عبدالله أن يعطيها اللعبة "إلى الأبد"، على حد قولها، وبالتالي تنتقل ملكيتها لها بموافقة عبدالله.
تصور أيضاً أنك لو لم تعمل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا" أفما كنت ستؤذي أختك إيذاء تندم عليه بعد فوات الأوان
ثم رجعت إلى عبدالله ثانية ورجوته أن ينظر إليها بعين الرحمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا"، فأنت لها أخ كبير، وما أدراك ما دور الأخ الكبير الأوعى والأعلم، والوعي والعلم مسؤولية يتوجب على الكبير نقلها للصغير، وأراك جديرا بهذا الدور، وإذا كان عليك النهوض بهذا الدور في كل وقت فما بالك به مع غياب بابا وماما؟!
وأود أن أقول لك إني لو مكانك لأزلت سوء الفهم لدى منى وقلت لها إن استعارتها اللعبة مرات عديدة لا تعني حق ملكيتها، وأن ليس لدي مانع من أن أعيرها اللعبة متى شاءت أو حتى أتكرم وأهديها اللعبة ما دمت كبرت عليها وأصبحت لسنها أنسب. أما أسلوبها بالقسم واليمين الذي تتحفظ عليه فسأقول لها إنني سأرجع إلى بابا وماما فيه.
وبعد سجال طويل مع عبدالله أيضا وافقني الرأي ووعدني بأنه لن يؤذي أخته، وأنه سيفكر في نقل ملكية اللعبة إلى أخته، وشكرته على تفهمه وإدراكه الأمر. ضحك ثم سألني ببراءة الأطفال وفضولهم المحبب إلي: "أنت ليه يا أسماء - كما يحلو لأولاد إخوتي أن ينادوني ـ كل ما أتناقش معاكي تقولي لي ربنا قال والرسول قال؟".
قلت له: "لأنني لو لم اتبع كلام ربنا ورسوله صلى الله عليه وسلم لشعرت بالندم الشديد، وهو شعور موجع جدا لا أطيقه وحتى أتفاداه. وجدت بالتجربة أن اتباع كتاب الله وسنة رسوله وقاية لي من هذا الشعور المؤلم، لأن ربنا بنا أعلم ولذلك رحمنا بنزول دليل إرشادي لنا وهو القرآن ليساعدنا على مواجهة شتى المواقف، والأكثر من ذلك أنه أنزل كلامه على إنسان مثلنا وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي اختاره ليبلغ كلامه لنا ويوجهنا في الحياة على نحو ترتاح إليه النفس، فتخيل لو لم أتبع كلام الله في ما حدث معك أفما كانت تأخذني رأفة ورحمة بمنى لكونها الأضعف ولتحيزت لها لصغر سنها وحبي إياها ووجعي من إيذائك لها، وقد لا أحكم بعدالة ومن ثم حقك كان سيضيع وبدلا من حل المشكلة كانت ستتفاقم، الأمر الذي كنت سأندم عليه ندما شديدا بعدما ينتهي الموقف، وتستوي عواطفي الملتهبة نتيجة إيذاء منى.
وتخيل لو لم تقتنع منى بعد صبر على الحوار والوصول إلى نتيجة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وأصرت على موقفها بأن اللعبة لعبتها وزادت في عنادها وزاد استفزازها لك وبدلا من أن تستخدم قوتك في إرشادها وتقويمها رحت تستخدمها في إيذائها.
وتصور أيضا أنك لو لم تعمل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا" أفما كنت ستؤذي أختك إيذاء تندم عليه بعد فوات الأوان.
رد علي عبدالله بعد إصغاء واضح حثني على الاستفاضة معه في أسباب اتباعي كلام الله وسنة رسوله ببهجة أحسستها في صوته: "كلام ربنا والرسول ده أحلى حاجة.