أين أخطأ أمير منير؟
أقام مقطع نشره "الشيخ" المصري، أمير منير، أخيراً الدنيا ولم يقعدها. فهو يسوّق في ذلك المقطع لبرنامج يقدّم خدمة العمرة بالإنابة. يعتمد المقطع على حيلة إعلانية أراها رخيصة، وهي اللعب على المشاعر الإنسانية للترويج لخدمة أو لمنتج، إذ يستغل علاقته بأخيه ووالده المتوفَين للترويج لتطبيق، وهذا شيء دنيء حقًا بغضّ النظر عن الحكم الفقهي لتلك الخدمة.
انتقد البعض الفكرة من أساسها، وانتقد البعض الآخر استغلال الدين للتربّح. كما دافع البعض عن الشيخ، قائلاً إنّ الأمر جائز من الناحية الفقهية. بينما ظهر دفاع آخر يقول إنّها مجرّد هفوة. أظنّ أنّ ذلك الفعل هو أقل الأفعال إثارة واستفزازًا في حياة شيخنا، فهو لا يخرج عن نطاق حماقات من يطلق عليهم المؤثرين أو روّاد الأعمال وغيرها من الطبقات الطفيلية.
في صباح 27 فبراير/ شباط 2019، احترقت محطة قطار رمسيس نتيجة اصطدام قطار برصيف المحطة، فمات عشرون شخصًا وأصيب العشرات. أقيل وزير النقل وصرّحت الحكومة بأنّ عصر الإهمال قد انتهى وغيرها من التصريحات المعتادة. في وسط تلك المعمعة، ظهر صوت غريب هو صوت شيخنا السابق ذكره، إذ وجد أنّ لديه شيئاً ما ليقوله حول تلك الكارثة، فتناول هاتفه وبدأ تصوير مقطع بدأه بالترحم على من ماتوا، وشكر من شاركوا في عمليات الإنقاذ، ثم بدأ رسالته بعبارة "تعليق سريع" وبدأ يسترسل في كلام غريب نقتبس منه: "موت الفجأة يا جماعة... موت الفجأة يا جماعة حقيقة لازم نفكر فيها... في الدنيا الابتلاءات مختلفة، واحد ابتلاؤه أن يبقى معاه فلوس كتير ويبقى غني، واحد ابتلاؤه مرض شديد، واحد ابتلاؤه موت فظيع كدا (يقصد الموت حرقًا كما في ذلك الحادث)... إلي مات الموتة دي هو شهيد..... فأنت متشغلش بالك بيه. طيب وأهله؟ دا ابتلاء لأهله".
ثمّ ختم حديثه.
ظهر في مقطع مشابه صوّره في المسجد النبوي تعقيبًا على زيادة الأسعار الناتجة عن انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار ونقتبس منه: "أنا جاي أطمنك إن رزقك بإذن الله مش حيتأثر... ربنا سبحانه وتعالى الي حيتكفل برزقك، فمتخافش".
يمكن تفسير تلك المواقف بتفسيرين. أولهما، أنّ هذا الشيخ، ومن على شاكلته يعاني من تدني في المهارات العقلية وانفصال عن الواقع حيث إنّنا "نقول تور يقول احلبوه"، و"نقول إهمال حكومي يقول موت الفجأة" وهذا التفسير الذي أميل إليه.
التوجّهات داخل السلطة ليست ثابتة، فالعلاقة مع التيارات الدينية المختلفة تمرّ بفصول تقارب شديد وفصول عداء شديد
يقول الإمام العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام في مصالح الأنام: "لا يقدم الصالح على الأصلح إلا جاهل بفضل الأصلح، أو شقي متجاهل لا ينظر إلى ما بين المرتبتين من التفاوت".
ولا شك أنّ الأصلح في الحوادث ذات البعد السياسي أن تناقش من الناحية السياسية. أما الوعظ فهو بلا شك لا يفتقر إلى المادة التي تلجئه إلى المادة السياسية. لذلك نقول إنه ينبغي على الأقل أن يكف ذلك الصنف نفسه عن التعليق على الحوادث إن كان يقصّر عن إدراكها ويكفيه الحديث المجرّد.
والتفسير الثاني هو أنه يخدم الفساد السياسي والإداري عن قصد لمصلحة ما، وهو التفسير الذي لا أميل إليه. علاقة السلطة بذلك النوع من المشايخ علاقة أكثر تعقيدًا من علاقة التجنيد، فالسلطة ليست ذات توجّه واحد، والتوجّهات داخل السلطة ليست ثابتة، فالعلاقة مع التيارات الدينية المختلفة تمرّ بفصول تقارب شديد وفصول عداء شديد.
رغم كلّ شيء لا يصح أبدًا أن يتم القبض على أمير منير، تحت أيّة تهمة، فهو ليس بدعًا من المؤثرين، وليس الحل في حبسه أو أن يخرج محامٍ خامل فيرفع البلاغات إلى النائب العام.
كفانا عبثًا.