كامو وسارتر وإسرائيل
أغراني المقال الذي كتبه السيد بوعلام رمضاني بعنوان ("في تفنيد خرافة "ألبير كامو المناهض للاستعمار") في موقع ضفة ثالثة (22 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، بالكلام عن بعض ممّا في تلك المسألة، بما يثير السخط واليأس معًا، خاصة في اللحظة الراهنة. لذا سأتحدث عن ثلاث نقاط أظنّها تصلح لأن تكون هامشًا على ذلك المقال.
الأولى، هي أنّ موقف ألبير كامو من إسرائيل ليس بحاجة إلى أن نستنبطه من موقفه من الاحتلال الفرنسي للجزائر، لأنّ كامو قد كتب بشكل مباشر وصادم عن إسرائيل أثناء العدوان الثلاثي على مصر. وذلك ما تجده في كتاب "ألبير كامو ونقد العنف" للكاتب ديفيد أوهانا، والذي يقتبس من رسالة كامو إلى بيير موينوت في عام 1956، ما نصه: "في الحرب الشاملة التي ننخرط فيها الآن، ليس من الصعب اختيار ولاءاتك. أنا ضد الشيوعية الروسية، التي نجابهها الآن، ومؤيّد للغرب، ومؤيّد لدولة إسرائيل التي ولدت من معاناة ملايين البشر، وأنا ضد الديكتاتوريات العربية التي ولدت من الفقر والعبودية، والتي كلّ ما تستطيع أن تقدمه هو ذلك الفقر والعبودية".
الثانية، هي أنّ ترجمة كامو إلى العربية ربّما شابها بعض التشويه، إذ لحظت حين كنت أترجم كتاباً عن كامو عبارة في رواية "الرجل الأول"، تسبّ فيها إحدى الشخصيات المغاربة بما نصّه: "جنس قذر، يا له من جنس، جميعهم، كلهم...". أما في الترجمة العربية الصادرة عن دار الهلال، فقد أصبحت العبارة: "جنس قذر! أي جنس! كلّ الأجناس، كلها...". لا أدري إن كان ذلك مقصودًا أم أنّ ذلك مجرّد خطأ، لكن من الجدير بالذكر أنّ المشهد الذي يسبق تلك العبارة، والذي يُوصّف فيه شكل من أشكال التمثيل بالجثث، قد تعرّض أيضًا للتشويه ليكون أقلّ بشاعة.
كثيراً ما نشيد بموقف الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر من الاستعمار الفرنسي للجزائر، وهو موقف بطولي حقاً، لكنّنا كثيراً ما ننسى موقف سارتر من إسرائيل
من القرائن النافعة في ذلك الموضوع أيضاً، أن نعلم أنّ الناشر الراحل سهيل إدريس قد محى أجزاء من مذكرات دي بوفوار تخصّ علاقتها بالمخرج كلود لانزمان في الترجمة العربية لمذكراتها "قوة الأشياء"، والتي ترجمتها زوجته عايدة مطرجي ونُشر في دار الآداب. البحث في تلك المسألة بالتأكيد لا يقدر عليه فرد ولا تكشفه صدفة، بل هو بحاجة إلى فريق أو فرق تستقصي مدى الدقة التي تُرجِم بها كامو وغيره من الكتّاب، وأثر ذلك على استقبالهم عند العرب والفكر العربي.
الأمر الثالث، هو أنّنا كثيرًا ما نشيد بموقف الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر من الاستعمار الفرنسي للجزائر، وهو موقف بطولي حقًا، لكنّنا كثيرًا ما ننسى موقف سارتر من إسرائيل. ليس الهدف من تذكره أن نعلّق له المشانق، ولا أن نحرق كتبه كما فعل الجزائريون، أو أن نمنعها كما فعل العراقيون بعد إعلان سارتر دعمه لإسرائيل، لكن لنفهم دروس الماضي ونتعلّمها، خاصة أنّ موقف سارتر لم يكن بتلك البساطة، بل شابته الكثير من التعقيدات والأحداث، ونحيلك إلى كتاب "لا مفر: الوجودية العربية، وجان بول سارتر، والتحرّر من الاستعمار" للكاتب يوئاف دي كابوا، الذي يروي تاريخ علاقة سارتر بإسرائيل والسياقات المحيطة بسارتر التي دفعته إلى تبني ذلك الموقف.