القمة العربية.. البقاء للأقوى
مضحكٌ ومبكٍ في اللحظة نفسها المشهد الذي شاهدناه خلال القمة العربية الثانية والثلاثين في المملكة العربية السعودية، والتي جمعت رؤساء بعض الأنظمة العربية القامعة لشعوبها والداعية للحرية والعدالة، إلى جانب الرؤساء الشرعيين والملوك والأمراء.
بل وكانت مفاجئة الدعوات المتكرّرة من رؤساء الأنظمة العربية بالحرية والكرامة وحماية حقوق المواطنين، وحلّ الصراعات الداخلية بعيداً عن التدخلات الأجنبية، بدءاً من مصر، مروراً بتونس، وصولاً إلى سورية واليمن وغيرها من الدول العربية، وكأنّ العالم العربي يعيش في جنة من الراحة والأمان والاستقرار، في وقت تشهد معظم الدول العربية قمعاً لحريات الشعوب ومواجهات بين الجيش والمدنيين.
فبعد 12 عاماً من القتل والتدمير والتهجير والإجرام الذي ارتكبه النظام السوري وما زال مستمراً بالنهج نفسه، شارك رئيس النظام، بشار الأسد، في القمة بكلّ سرور وبهجة عربية، بدعوة رسمية من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. وخلال كلمته التي بدا فيها مبتهجاً ومنتصراً على أعدائه، لقّن الأسد القادة العرب درساً في العروبة، متمنياً "ترك القضايا الداخلية لشعوبها لإدارة شؤونها، ومنع التدخلات الخارجية فيها، وأن تشكل القمة بداية مرحلة جديدة للعمل العربي للتضامن، لتحقيق السلام في المنطقة والتنمية والازدهار بدلاً من الحرب والدمار".
انتهت القمة كما كان متوقّعاً ببيان ختامي يُشدّد على أولوية القضية الفلسطينية، التي يستعملها القادة شماعة لتغطية فسادهم وقراراتهم الخاطئة والعشوائية
قال الأسد كلامه ناسياً، أو ربما متناسياً، حجم الدمار والتخريب الذي خلّفته صواريخه في سورية، وناكراً أنّه لولا التدخل الروسي والإيراني بطلب منه شخصياً، لكان نظامه سقط منذ سنوات.
تحدّث الأسد خلال القمة بكلّ طلاقة وأريحية وسط ترحيب غير مسبوق من القادة العرب، وفي ظل حضور الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، الذي كان ضيفا على القمّة، وفرضت بلاده على سورية عقوبات غير مسبوقة.
انتهت القمة كما كان متوقّعاً ببيان ختامي يُشدّد على أولوية القضية الفلسطينية التي يستعملها القادة شماعة لتغطية فسادهم وقراراتهم الخاطئة والعشوائية، ويؤكّد على ضرورة احترام حريات وحقوق الشعوب العربية، الحقوق غير الموجودة أساساً في قاموسنا العربي.
الأمر الوحيد الذي يُذكر ويمكن تسليط الضوء عليه خلال القمة، هو موقف أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي غادر القمة العربية قبل بدء كلمة رئيس النظام السوري بشار الأسد، مسجّلاً موقفاً سياسياً شجاعاً، يحمل رسائل قيمية ومبادئية لن ينساها التاريخ والشعب العربي بأسره.