المغرب والجزائر والتحديات الحقيقية
عزيز أشيبان
من المؤسف مشاهدة ما يقع بين الأشقاء المغاربة والجزائريين من تراشق الاتهامات والترهات والتفاهات والانزلاق نحو دنايا الأمور من ممارسات صبيانية يندى لها الجبين، وتمسّ بأدبيات الوقار والحشمة وتخدش الرأسمال الرمزي المشترك بين البلدين، وتتسبّب فقط في إضاعة الوقت والجهد بدل التركيز على التحديات الجسام التي تستحق المتابعة والاهتمام والتفاعل الوجداني والفعلي.
ثمّة حاجة ملحة لاستحضار العقلانية والوقار والترفّع عن التفاصيل الجانبية التي تحول دون التركيز الحقيقي على التحديات الداخلية والخارجية. حقيقة، تنخر النسيج الداخلي مجموعة من الأزمات والمشاكل البنيوية التي تدعو إلى الانكباب على ترميم البيت الداخلي وترتيب عناصره وتقوية روابطه من أجل التموقع الجيد في عالم يشهد تغيّرات متسارعة، وربما قيد الانتقال من عهد القطب الواحد إلى عالم متعدّد الأقطاب. بكلّ تجرّد وموضوعية ننسج العبارات التالية عساها تترك أثراً طيباً في النفوس النقية التواقة إلى اللحمة العربية والتنمية والحياة الكريمة وتوقظ الضمائر الحية وتساهم في إعادة العلاقات إلى وضعها الطبيعي.
بادئ ذي بدء، لا مناص من التذكير بأنّ البلدين يتقاسمان تقريباً المشاكل البنيوية نفسها، ويواجهان المخاطر نفسها والأعداء أنفسهم ولو اختلطت الأوراق عند البعض وانتابهم الشك في لحظات ضعف وفقدان بوصلة الرشد. نتحدث أساساً عن التخلف، هشاشة الاقتصاد وتعمّق التبعية، سوء التدبير، غياب الرؤية، تزايد الأطماع الخارجية ومخططات التفرقة والبلقنة وخطر الإرهاب المستقر في بعض مناطق الجوار.
كما أنّ مجرّد محاولة الإقبال على تأمل نوعية التحديات الكبرى التي تواجه البلدين تجعل المرء يستحضر ويتذكر ضرورة التعبئة واستعجالية التعاطي الجدّي والحكيم مع الوضع عوض الهروب نحو الترهات. في الواقع، نجد على رأس قائمة التحديات الوضعية الاقتصادية الصعبة من جرّاء تداعيات وباء كورونا وما خلفته من تراجع اقتصادي وازدياد حدّة الأزمات الاجتماعية. في ظلّ اقتصاد هشّ غير متين وبدون هوية يصعب مواجهة نسب التضخم المتفاقم وارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية وتقلّص مجال الطبقة الوسطى وتفشّي البطالة وارتفاع وتيرة هجرة الكفاءات والتحاق عدد كبير من العائلات بضنك الفقر والحاجة. نتحدث إذن عن تحديات تسقط حكومات وتسبّب الأرق المزمن والقلق لمن يتحمل مسؤولية التدبير وتدعو إلى تعبئة شاملة وتضامن وإبداع بدائل تخفّف من وطأة لهيب قلّة الحيلة والعجز الذي تكتوي الناس بناره وتتسابق مع عامل الزمن الذي لا يرحم. من الحماقة إذن تجاهل هول ما نواجهه من أولويات وننزوي نحو حماقة الاشتغال بالأوهام وتبادل الإساءات والتجريح والإهانات. ربما هو خيار الضعيف المعدوم المنهزم سلفا قبل الخوض في محاولة المقاومة والصمود ومجابهة الشدائد.
ثمّة أفكار محورية تستوجب التدبر والاستحضار من أجل ضبط النفس والتزام الثبات والحكمة والرشد.
أولا، من يقوم بتأجيج هذه الحملات ومن المستفيد منها؟
قد ينخرط أي مواطن من البلدين في تأجيج حملات الإساءة باندفاع وجداني غير مدروس ودون تدبر أو تساؤل عن هوية من يصطاد في الماء العكر ولا يألو جهداً في استدامة التشنّج في العلاقات بين البلدين.
يتقاسم البلدان تقريباً المشاكل البنيوية نفسها، ويواجهان المخاطر نفسها والأعداء أنفسهم ولو اختلطت الأوراق عند البعض وانتابهم الشك في لحظات ضعف وفقدان بوصلة الرشد
ثانيا، ما يقع من حماقات وتضليل للرأي العام يبعدنا عن التحديات الحقيقية ويتسبّب في ضياع الوقت وتبديد الجهد في التشاحن والاستمرار في العيش في كنف الأوهام وتعميق الشرخ في النسيج الاجتماعي وتعميق عملية اختراقه. هل يعالج الاحتقان الداخلي بشحن الرأي العام صوب الجار الأبدي؟
ثالثا، مهما بلغت هذه الحملات من التفاهة والغباوة، فإنها تخلّف ترسبات نفسية في مطاوي النفوس وتثير المكبوت والمذموم من الغرائز وتنهك الحالة النفسية والذهنية التي تعاني أصلا من اضطرابات عدّة.
رابعا، لا جرم من التذكير بعدم استطاعة المغرب أو الجزائر تحمّل كلفة أي نزاع عسكري، إذ ما يعانيه كلّ بلد على حدة يغنيه عن البحث عن النزاعات ويستنفد جميع الموارد المحدودة أصلا، والتي ينالها سوء التوزيع والتدبير منذ عقود. ألم يخلّف التسابق نحو التسلح إنهاك الميزانيات وتعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وإضاعة الوقت وتفويت الفرص؟
خامسا، للجغرافيا سلطة على البلدين، وليس لأحدهما حق اختيار الجار وإمكانية وقوع الاختلاف وعدم التفاهم أمر وارد من حين لآخر، لكن الأهم هو ضرورة الوعي بحقيقة أنّ سيادة أي بلد من سيادة البلد الآخر ومستقبلهما الأمني مشترك ولا يقبل التجزئة.
سادسا، الصحراء مغربية ومؤامرة البلقنة المحبوكة ضد المغرب والممتدة منذ عهد الاستعمار لا تخدم إلا الأعداء ومشاريع الابتزاز والسطو على خيرات البلدان. كيف لبلدين منهكين ومتصارعين أن يواجها أطماع المشاريع الجيوستراتيجية الكبرى المتكالبة؟