النداء الأخير
يوم الأحد، في 31 أكتوبر/تشرين الأول، كانت قمة المناخ التي استضافتها العاصمة الاسكتلندية غلاسكو، بنسختها السادسة والعشرين، والتي أتت استكمالاً لسلسلة قمم بدأت في أعقاب مؤتمر الأمم المتحدة الأول للبيئة في البرازيل عام 1992.
أتى المؤتمر في أعقاب حالة نفير دولية لمواجهة أزمة فيروس كورونا، وفي ظل مطالبات تتعالى من أطراف عدة لإعلان حالة طوارئ عالمية طويلة الأمد لمواجهة مخاطر تغير المناخ، التي أصبحت نتائجها تطرق أبواب الكثير من الدول حول العالم.
ودارت نقاشات حامية حول سياسات الدول، ولا سيما الصين وروسيا، ودورها في البصمة الكربونية العالمية، وحول حجم التمويل المتوقع تقديمه من الدول الغنية للدول الفقيرة من أجل مواجهة التحديات المستقبلية.
منذ منتصف 2012، ومع اشتداد الصراع المسلح في سورية، تتزايد الفاتورة العامة على الدولة شعباً وأرضاً بشكل يومي. فحسب تقديرات البنك الدولي تبلغ كلفة إعادة الإعمار قرابة 500 مليار دولار، وحسب تقرير حديث لمنظمة الفاو، فإن 12.4 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و1.3 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد و6.7 ملايين شخص نزحوا داخلياً.
في قطاع الغابات والزراعة، تم إحراق مساحات واسعة من الغابات، ولا سيما في جبال اللاذقية، الحاضنة الكبرى للغابات في سورية. ونتيجة تصاعد الصراع المسلح، خرجت مساحات واسعة من الأراضي القابلة للزراعة لأسباب كثيرة، كقلة المياه ومصادر الطاقة والبذار والمبيدات الحشرية وتراجع قيمة الليرة السورية، وهجرة ونزوح الكثير من المزارعين، الأمر الذي وصل لحدّ كارثي انعكس بتراجع كبير في معدلات الأمن الغذائي وصولاً لانعدامه، وتحولت سورية بمناطقها الثلاث الواقعة تحت سيطرة النظام وتحت سيطرة المعارضة ومناطق قسد، تعيش في ظل نقص شديد للقمح الذي يشكل قوتاً أساسياً للسكان، بعدما كانت سورية تمتلك احتياطياً استراتيجياً لعدة سنوات مقبلة.
تراجعت البنية التحتية سواء نتيجة الدمار الذي طاولها نتيجة لقصف النظام السوري، أو نتيجة قلة الموارد المالية لتجديدها وتطويرها
في قطاع الثروات الباطنية، تسيطر الحكومة الروسية اليوم على قطاع الفوسفات، وفي قطاع النفط والغاز، بعد انسحاب وتوقف جميع الشركات الأجنبية والوطنية، ووقوع المنابع تحت سيطرة سلطات أمر واقع متعددة، تحولت هذه الصناعة لأداة ملوثة نتيجة استخدام الأساليب البدائية في صناعتها، لا أحد يعرف أبعادها البيئية والصحية، نتيجة صعوبة إجراء دراسات علمية.
في قطاع المياه تعاني سورية منذ سنوات من كارثة مائية كبيرة، ففي كل عام تتكرر معاناة العطش لما يزيد عن مليون إنسان من أبناء الحسكة لعدة أشهر سنوياً، تتحمل أطراف الصراع الجزء الأكبر من المسؤولية عنها، إضافة لدول الجوار كتركيا.
وفي السياق ذاته، تعاني عموم سورية من ظاهرة حفر الآبار العشوائية، إضافة لتراجع المخزون المائي الجوفي وجفاف الأنهار ومسطحات المياه. لا يعرف حتى اليوم الأثر البيئي لاستخدام السلاح على التربة والهواء، ولا توجد تقديرات للمساحات التي دخلت في حالة التصحر.
في اتجاه آخر، تراجعت البنية التحتية سواء نتيجة الدمار الذي طاولها نتيجة لقصف النظام السوري، أو نتيجة قلة الموارد المالية لتجديدها وتطويرها.
قبيل اندلاع الثورة السورية، كانت سورية تعاني من أزمات اقتصادية متكررة، شكلت عاملاً غير مباشر لاندلاع الاحتجاجات الشعبية. فعلى سبيل المثال، تسببت موجة الجفاف التي ضربت شمال وشمال شرق سورية بين عامي 2003 و2008 بنزوح ما يزيد عن مليون إنسان إلى دول الجوار ومحيط المدن السورية، نتيجة السياسات الحكومية الخاطئة ونتيجة تغير المناخ المديد الذي يضرب المنطقة. كما كانت تعاني الحكومات المتعاقبة من افتقار شديد للخطط طويلة ومتوسط الأمد، وفي ظل فساد حكومي شاقولي وأفقي.
منذ عدة أيام أعلنت حكومة النظام السوري متمثلة بوزارة الإدارة المحلية والبيئة عن مشروع لمواجهة تغير المناخ ونقص المياه بالغوطة الشرقية، بتمويل وتنفيذ من برنامجي الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل)، ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، يأتي هذا التعاون مع حكومة تسببت بأكبر أزمة إنسانية في القرن الواحد والعشرين ولا يعرف تاريخها انتهائها حتى اليوم.
مخاطر تغير المناخ ستهدد مستقبلاً بزوال دول عن وجه الأرض، وبنزوح ما يزيد عن 256 مليون إنسان على أقل تقدير مع حلول 2050. ومكافحة تغير المناخ تتطلب نظماً سياسية قوية، قادرة على اتخاذ القرارات، إضافة لإمكانيات تكنولوجية عالية، وخطط استراتيجية عاجلة، ومتوسطة وطويلة الأمد، إضافة للشفافية والديمقراطية. والواقع السوري يمتد لجميع دول المنطقة، كلبنان والأردن والعراق، والمخاطر تهدد الجميع دون استثناء وإن اختلفت درجاتها.
تغيب سورية حكومات وأفراداً وتنظيمات عن قمة المناخ التي يشارك فيها آلاف الأشخاص من دول العالم، وتحضر دول أفريقية كزيمبابوي كانت منذ عدة سنوات في ذيل سلالم التنمية المستدامة، كأحد النماذج الأهم لمواجهة تهديدات المناخ لقطاع الزراعة وتربية المواشي.
فهل تكون هذه القمة نداءً أخيراً للسوريين لوضع تغير المناخ على قائمة الأزمات التي تطول وتهدد وجودهم، خصوصاً أن سورية ستمر بمرحلة إعادة الإعمار عاجلاً أم آجلاً، الأمر الذي يعتبر فرصة ذهبية لقراءة مستقبل سورية الاقتصادي والبيئي، والتخطيط له بناء على مخاطر تغير المناخ التي تهدد حياة البشر على كوكبنا؟