براغماتية تركيا تصيب جوزيب بوريل بالقلق!
تبدو تركيا فاعلاً سياسياً هاماً، وحاضراً في أغلب بؤر التوتر في العالم، وآخرها الحرب الروسية الأوكرانية. إلا أنّ منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال "إن تعميق العلاقات الروسية التركية مصدر قلق كبير" للأوروبيين. ونعتقد بأنّ قلق السيد جوزيب بوريل غير مبرّر، لأنّ تركيا دولة صنعت أهميتها من سياساتها البراغماتية، وهي قابلة للتغيّر في جميع الاتجاهات حسب مصلحة شعبها.
لا شك في أنّ تركيا دوله مهمة، وعالمياً تُقاس أهمية الدول في مدى اتساع شبكة علاقاتها الدولية الفعلية، وفي مدى تأثيرها في مجريات السياسة العالمية، سلباً أو إيجابا. تماماً مثل ما تفعل أميركا والصين وفرنسا وروسيا وغيرها من الدول في اختراق كلّ دول القارات. وهكذا تفعل تركيا، وُجدت في الصومال، ليبيا، تونس، مصر، وفي سورية واليمن، في قطر، وغيرها من الدول.. وحالياً هي في روسيا وأوكرانيا معاً، ولهذا تعتبر تركيا دولة مهمه وفاعلة.
حازت تركيا هذه الأهمية والمكانة من قدرتها على تكريس براغماتيتها الحادة، البراغماتية التي تعني الاستناد المطلق إلى نتائج الجوانب العملية لأفعالها، والبناء عليها في تحديد السياسات المناسبة. ومن هذه الزاوية تحديداً، فانّ لتركيا قدرة عجيبة على التحوّل في مواقفها 180 درجة أو قل حتى 360 درجة، بناء على المصلحة، دون أيّ ارتجاف أو تردّد. فعلى سبيل المثال، انقلبت تركيا على السعودية في حملة إعلامية غير مسبوقة، بعد اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، رحمه الله، واعتقد الكلّ بأنّ إمكانية إعادة العلاقات بين الدولتين من سابع المستحيلات، ثم عادت بهدوء كأنّ شيئاً لم يحدث. كما عادت إلى مصر وسورية وإلى الكيان الصهيوني. إلا أنها لم تعد إلى تونس، وقلّلت حضورها القوي في ليبيا. كلّ ذلك لا يعني إلا شيئاً واحداً، إنّ تركيا لا تدافع إلا على مصالح الشعب التركي أولا.
وبسبب كلّ ذلك، فإنّ تركيا هي الرابح الوحيد حتى الآن في الحرب الروسية الأوكرانية. أوروبا تخسر، وشعوبها تتذمر، وأوكرانيا دُمّر نصفها، والباقي في الطريق، وروسيا كُبّلت بعقوبات لا تنجو منها لعقود قادمة، وأميركا تحاول الاستفادة من خسارة كلّ هؤلاء، فيما تركيا صديقة الجميع وتستفيد من الجميع، وهي بصدد التحوّل إلى مركز طاقي وصناعي كبير بين أوروبا وآسيا.
في الحقيقة، إنّ السيد جوزيب بوريل ليس قلقاً من التقارب الروسي التركي، وإنما قلق من أن تركيا في السنوات القليلة القادمة ستتحوّل إلى الدولة الأولى في منطقتها ومصدر الطاقة لأوروبا بشروط تركية.