بنوك الملابس: تحايل على الفقر أم مشاريع اقتصادية؟
انتهت السنة الدراسية، وأقبل الصيف مسرعاً بدرجات حرارة مرتفعة ومفاجئة. باتت مهمة ترحيل الكتب والدفاتر والملابس المدرسية وإخراج وترتيب الملابس الصيفية خيارا لا بد منه وتدبيرا عاجلا وملّحا، على الأمهات وربات البيوت المباشرة به فوراً.
شكلت هنادي وصديقاتها مجموعة عمل خاصة بفرز الملابس عند تبدل الفصول أو قبل الأعياد، المجموعة مكونة من ست سيدات، بينهن سيدة غير متزوجة، لكنها الأقدر على العمل بسرعة وحنكة، تبدو وكأنها تحفظ مقاسات أفراد عائلات الجميع، كما أنها تتباهى وبادعاء مبالغ به بأنها تعرف أذواق الجميع، وبأنها دون أي تشكيك قادرة على إرضاء الجميع.
بسرعة تحسم قرارتها بوجهة الملابس القادمة، لمن؟ ولماذا وكيف تحوَّلت طريقتها السريعة والحاسمة إلى ختم مطبوع في رؤوس الجميع، لدرجة أن بعض الأطفال، وحين يعترض على ارتداء أو امتلاك قطعة مدورة من شخص آخر في أسرة أخرى، يصرخ قائلاً: "لا أحب ذوق خالتو هنادي!". ويذهب بعض الأطفال إلى حد أقصى حين يتّهم الخالة هنادي بالتحكّم في أذواق وخيارات أفراد العائلات الست كلهم.
لا تقتصر عملية التبادل على منح ما يصغر على الطفل الأكبر للأصغر، بل يتعدى ذلك إلى محاولات في إعادة التدوير، كأن تتحوّل السراويل وخاصة الجينز إلى شورتات قصيرة للصيف أو للعب في الحارة، كما قد تخضع بعض الأحذية إلى إضافة ضبانات طبية أو عادية أو تبديلها، وذلك لتصغير مقاسها أو لتأمين راحة أفضل لبعض الأطفال الذين يعانون من تسطح بالأقدام، وسوى ذلك من صعوبات المشي أو إعاقات الأقدام.
غالباً ما تفوز بعض النساء صغيرات الحجم والمرنات في تقبّل أي شيء بقطع ملابس إضافية، تقول هنادي لهن: "في الصيف نحتاج لملابس أكثر بسبب التعرق، يقررن في البداية أنها للارتداء فقط داخل البيوت، لكن مع الوقت وبمجرد التعرف إلى الأسعار المرعبة في الأسواق ترتفع قيمة تلك القطع وتصبح ملابس للخروج تطبيقا للمثل القائل: ما بتعرف خيره حتى تجرب غيره!".
طاولت تجربة هذا العام من إعادة التدوير الكتب المدرسية ونوطات الدعم التعليمي والأدوات المدرسية وخاصة لمادة الرياضيات، كما تمت إعادة توزيع للحقائب المدرسية بعد محاولات أو اقتراحات للصيانة والترميم بجهود شخصية مثل وضع بعض اللصقات القماشية لسد ثقب صغير أو لمنح بعض الحقائب المزيد من الحيوية لترغيب الأطفال بها.
حتى الأوراق البيضاء تم قصها وجمعها وتحويلها لكراسات لاستعمالها كمسودات، وتماهى بعض الأطفال المنخرطين في مشروع بنك الألبسة بوضع بعض الأغلفة الملونة على دفاتر المسودات مما قد يحولها إلى دفاتر رسم محببة للأطفال الصغار لتمضية الوقت الطويل في فصل الصيف.
تتحول فكرة بنوك الملابس إلى عادة أصيلة في غالبية المجتمعات، ليس بسبب ارتفاع كلفة شراء وصناعة الملابس، بل بسبب ازدياد الوعي بضرورة الحد من هدر الموارد وقدرة الجميع إن لم يكن واجباً عليهم المشاركة في حماية الكوكب.
ثمة رقم مخيف ومزلزل يقول: إن صناعة كل سروال من الجينز قد تكلف ما بين سبعة إلى عشرة آلاف ليتر من الماء! هل ينبغي الاكتفاء بتعميم الرقم لإدراك حجم الخطر الكامن على الكوكب؟ أم ينبغي علينا تعميم قيم التبادل والتدوير من أجل تثبيت قيم التضامن والدعم الإنساني والمجتمعي للجميع ومن قبل الجميع؟ كل الإجابات هنا مقبولة، لكنّها محط تردد وشكوك بمدى قدرة الجميع على المبادرة، والمبادرات هنا قد تحمل طابعاً شخصيّاً بحتاً، لكنها عنصر أساسي في حماية الأرض والحاضر والمستقبل.
إنّ بنوك الملابس والطعام والأوراق وألعاب الأطفال، هي حلقات أساسية من أجل حماية الحياة وديمومتها، لكنّها قبل كل ذلك هي بذور الحياة في حيويتها التشاركية والتضامنية.