جرائم قتل النساء (13)
ما زالت جرائم قتل النساء جرائم متكررة بصمت وبقبول مجتمعي وقانوني، خاصة أنها غير مثبتة كجريمة قتل جنائية متعمدة وعن سابق إصرار أحياناً، بل يتم التعامل معها كرد فعل لفورات غضب أو كفعل تأديبي يسمح لرجال العائلة والشركاء العاطفيين فعله دون أي معاقبة أو مساءلة، لا بل قد يمنح القتلة أوسمة شرف من مجتمع يعادي النساء ويعنّفهن ويمنعهن حتى من الصراخ أو قول عبارة لا، وما زالت حيوات النساء في قبضة الأقوى والأكثر عنفاً وتسلطاً تحت مبررات عديدة، منها الدفاع عن الشرف، أو التملك، أو الغيرة وفي مرات كثيرة يتم القتل من أجل الملكية والميراث.
يتضافر القبول المجتمعي والصمت المتواطئ في أفضل الأحوال مع التمييز القانوني مع البعد الديني الذي يحرم النساء من الصلاة عليهن أو حتى الترحم عليهن
إذن تقتل النساء لأسباب متعددة، يتضافر الحيف القانوني وغياب المساواة في النصوص العقابية ما بين الرجال والنساء، إذ تعاقب النساء على ذات الجرائم التي يقترفها الرجال، مثل الزنا أو تقديم الخدمات الجنسية، استناداً إلى نصوص قانونية تفوق أحكامها وعقوباتها ما يقع على الرجال في ذات الاختصاص والتوصيف الجرمي.
في السادس من شهر آذار الحالي تم نشر خبر وفاة شابة في السادسة عشرة من عمرها تعيش في مدينة سورية، قيل إنها انتحرت، ولكتم الأصوات التي أشارت إلى عملية قتل محتملة ومباشرة قيل إنها تمرّدت على قواعد المجتمع وعلى أوامر وقسوة والدها، مما يعني أنها تمردت على قواعد المجتمع وهذا مبرر كافٍ لقتلها أو لحبسها أو لتعنيفها.
والأكثر ألماً وأسفاً هو التعامل مع احتمال أنها فعلاً قامت بفعل الانتحار وكأنه فعل مزاجي خاص بها مارسته دونما أي مبرر، وكأنه خيار فردي متهور وأحمق بسبب فورة عاطفية مثلاً، وقد يقول آخرون إنه دلع بنات لكسب الحب أو التعاطف لكن النتيجة كانت قاتلة! لا أحد يريد تعرية الحقيقة أو كشفها، لا أحد يركز أو يشير إلى أشكال العنف أو التمييز الظالم والمستمر والتي يجب توصيفها في إطارها الإنساني والقانوني الحقيقي بوصفها انتهاكات مستمرة وقاهرة وهي التي قد دفعتها للانتحار، يبدو الخبر عادياً، يمر كغيره من أخبار تستعرض موت النساء ببساطة وكأنه مجرد ملء لصفحات إعلامية عليها جلب المزيد من الإعجاب أو الاهتمام اللحظي المباشر كحدث عابر وليس كقضية رأي عام.
يتضافر القبول المجتمعي والصمت المتواطئ في أفضل الأحوال مع التمييز القانوني مع البعد الديني الذي يحرم النساء من الصلاة عليهن أو حتى الترحم عليهن لأنهن خالفن إرادة الله وأنهين حيواتهن بقرار شخصي.
إذن هي أدوات التمييز الثلاث ضد النساء؛ نصوص دينية وقوانين تمييزية وعادات وتقاليد وسلطة مجتمعية تكرس كلها الرجل كحامي الشرف وكفاعل ومتحكم وحيد بحيوات النساء وخاصة نساء عائلته.
وما زالت في بعض المناطق تعلو الزغاريد بعد قتل النساء، أي شرف ذلك الذي يبرر القتل وإنهاء حيوات النساء؟ أي شرف هو الذي يحول الرجال إلى قتلة ويربي الأطفال الذكور على أن الشرف يعني إراقة الدماء والتحول إلى قتلة أو معنفين أو زاجرين أو مالكين للنساء من أعلى خصلة شعر في رؤوسهن وحتى أصابع أقدامهن.
تتجدّد الدعوات في يوم المرأة العالمي لوقف العنف ضد النساء والفتيات والطفلات، لوقف جرائم قتل النساء وتوصيفها كجرائم جنائية وليس حوادث انفعالية مبررة بل ومرعية، جرائم قتل لنساء كاملات الأهلية على الأوراق الرسمية وفي السجلات المدنية فقط والمفترض أن يكن مكتملات الحقوق والواجبات للحصول على المساواة في حق الحياة وفي حق الدفاع عن حيواتهن وكراماتهن وخياراتهن في العيش بحرية وكرامة.
العدالة لا تتجزأ، وبقاء القتلة طلقاء باسم شرف يعاكس كل قيم الحرية والحق والواجب بحماية الحياة والحفاظ عليها هو انحراف خطير في مسار الحفاظ على الحياة، فلا تصبح النساء مقتولات أو مشاريع للقتل ولا يصبح الرجال قتلة.