دور التعليم المدمج في استدامة التعلم
أدّى انتشار فيروس كورونا عالمياً إلى عرقلةِ كثير من الأنشطة اليومية، التي تمثّلُ جزءاً من الروتين المعتاد لدى النّاس؛ إذ بات من الضروري أن يتوافقَ أي عمل يريدون القيام به مع الإجراءات الصحية، كارتداء الكمامات، والالتزام بمسافات التباعد، وتجنّب التجمعات، فتأثّرت الحياة الاجتماعية بشكلٍ ملحوظ، وأصبحت المشاركة في المناسبات أو اللقاءات محدودة بطبيعة الحال، واستبدلت بالتفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومع مرور الأيام صار لا بُدَّ من استمرار الحياة في ظلِّ المحاذير الوقائية؛ بهدف المحافظة على السلامة العامة، وتقليل تفشي الوباء إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها.
حصل التعليم على نصيبه من تبعات فيروس كورونا، التي شكّلت تحدياً كبيراً أمام الدول، وحملت معها اتخاذ قرارات متتابعة، وبدأت من إعلان الإغلاق العام، وتعطيل كافة الأعمال، وتعليق الدراسة فوراً، فتوقفت المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية عن استقبال الطلاب داخل صفوفها، ولم يظل ممكناً الاستمرار في التعليم بشكله المعتاد؛ بسبب تسارع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، وبات يطفو على سطح الأسئلة المطروحة آنذاك سؤال مهم جداً؛ وهو كيف سيستمر التعليم مع الانتشار الوبائي للجائحة؟ وكانت الإجابة عن هذا السؤال تتلخصُ في اختيار أسلوب تعلّمٍ يتناسب مع كورونا، واختير التعليم عن بُعد؛ ليكون الخيار الذي يحافظ على استمرارية التعلم خلال فترة إغلاق المدارس، بالتزامن مع جميع الظروف المواكبة لانتشار الفيروس.
يعدّ التعليم المدمج من أفضل الحلول المتاحة في المرحلة الراهنة، مع الأخذ بالاعتبار عدم تصنيفه بديلاً دائماً عن وجود الطلاب في المدرسة
لم يكن التعليم عن بُعد حلاً مثالياً بل مؤقتاً؛ لأن كثيراً من عائلات الطلاب واجهت تحديات وصعوبات عديدة في التأقلم مع هذا النوع من الدراسة، ويعود ذلك لأسبابٍ عديدة، ومنها وجود أكثر من طالب داخل العائلة الواحدة، مع توفّر جهاز حاسوب أو هاتف واحد فقط، أو عدم القدرة المادية على شراء أجهزة إلكترونية واشتراكات إنترنت تسمح بمتابعة التعليم بشكله الجديد، ولا يمكن تجاهل وجود هذه المشكلات، التي تعدّ عوائق نحو استمرار التعليم بصورة صحيحة أثناء الأوضاع الصحية السائدة.
انتهى العام الدراسي لسنة 2020 الذي واكب ظهور كورونا، وبدأت الدول تدرس خيارات عودة تدريس الطلاب داخل المدارس، ومراعاة توافقها مع متطلبات زمن كورونا، التي فرضت قيود حالت دون إمكانية البقاء على الوضع التقليدي للتعليم قبل الجائحة، ومن هنا صار لازماً البحث عن أسلوب تعلمٍ يجمعُ بين التعليم عن بُعد والدراسة داخل المدرسة، ووقع الاختيار على (التعليم المدمج)؛ كخطوةٍ أولى نحو المرحلة الجديدة في التعلّم ضمن أجواء كورونا، ونتائجها ومفاجآتها غير المتوقعة.
لا يوجد تعريف معين يوضّح مفهوم التعليم المدمج، وقد تنوّعت مفاهيمه وفق المراجع التربوية، ويطلق عليه أيضاً اسم التعليم المختلط أو المتمازج، وعموماً يستخدم مصطلح التعليم المدمج للتعبير عن الطريقة التعليمية التي تجمع بين التعلّم داخل الصف وخارجه؛ من خلال الاستعانة بشبكة الإنترنت والحواسيب في ربط الطلاب والمعلمين والمحتوى الدراسي معاً، وهكذا يستمر الطالب في متابعة دروسهِ، سواء كان في المدرسة أو خارجها.
تميّزَ التعليم المدمج بدوره المهم في استدامة التعلم خلال جائحة كورونا؛ حيث وفّر إمكانية الاستفادة من وجود المعلمين داخل المدرسة في توجيه الطلاب أثناء دراستهم في المنزل، وإتاحة الدروس لهم عبر المنصات أو التطبيقات المخصصة للتعليم الإلكتروني، وأضاف أدوات تساعد الطالب على تكرار مشاهدة الدرس أكثر من مرّة أو التواصل المباشر مع المعلم؛ ليفهم أي معلومات أو أفكار صعب عليه إدراكها، كما وظّف التعليم المدمج التكنولوجيا بطريقة ساعدت كل طالب على اختيار أسلوب الدراسة الذي يناسب قدراته المعرفية، وشجّع الطلاب على استخدام مهاراتهم الشخصية في التعامل مع الأجهزة الرقمية ضمن نطاق الدراسة، وعدم حصرها في لعب الألعاب الإلكترونية أو تضييع الوقت دون فائدة.
يعدّ التعليم المدمج من أفضل الحلول المتاحة في المرحلة الراهنة، مع الأخذ بالاعتبار عدم تصنيفه بديلاً دائماً عن وجود الطلاب في المدرسة، بل هو بديل مؤقت، وسبيل مناسب؛ لردم فجوة ابتعاد الطالب عن مدرسته، ومشاركة في الوقاية من زيادة عدد حالات الإصابة المؤكّدة بفيروس كورونا؛ بسبب تصنيف المدارس واحدة من بؤر انتقال العدوى، ورفع معدل الإصابات بشكل متسارع، كما يهدفُ التعليم المدمج إلى تطوير وسائل وأساليب التعلم والتقويم، ويقلل من اقتصارها على الطرق التقليدية المتبعة داخل المدارس؛ مّا يساهم في الوصول إلى تعليم كفؤٍ وقابلٍ للتطوّر في المستقبل.