كيف نفهم المرأة؟
ما زال الرجل في كل زمان ومكان ينظر إلى المرأة نظرة ملؤها الشك والريبة، وهو يرى نفسه يتراجع أمامها، ليفسح لها الطريق في شتى مجالات الحياة التي راحت تغزوها في ثقة واعتزاز وإيمان بالمستقبل.
هي، في نظر الرجل، ذلك المخلوق الغامض الذي عجز عن سبر أغواره، وربّما كان هذا أحد الأسباب التي أدّت إلى تقلبه وعدم استقراره، ودفعه دائماً إلى عدم التعلق بامرأة واحدة، والبحث عن غيرها، لعلّه يجدُ فيها ما ينشده من فهم وادراك لحقيقة نفسها، وما تخبئه!
أمّا هي، فترى نفسها إنساناً بسيطاً، غير مكتمل، ولا يمكن أن يكتمل، إلا بعد أن يلتقي بنصفه الآخر.. بالرجل، حتى تصبح الحياة دائرة مكتملة الاستدارة، وهي تعرف ما تريد، وتبذل كل ما في وسعها لتحقيق هدفها من الحياة، فإذا بلغت هذا الهدف، تمسّكت به وحرصت عليه، وضحّت بكل شيء في الدنيا في سبيل إسعاد رجلها وبيتها وأطفالها..
وبالرغم من هذا، لا يكف الرجل قط عن ترديد تلك العبارة التي جاءت على لسان الشاعر الإنكليزي توماس إليوت: (إنني لا أستطيع أن أفهم المرأة!).
ومع هذا، فمن الصعب أن نجد امرأة واحدة تؤمن بصدق قول الرجل فيها.. فهي تعلم أنّها ليست لغزاً، وأن الرجل يستطيع أن يفهمها، لو أنه بذل في سبيل ذلك جهداً بسيطاً، لن يكلفه أكثر من مجرد التوقف والتفكير، قبل أن يتخذ قراراً من تلك القرارات المتسرعة الطائشة التي كثيراً ما تدمّر حياته، وتقضي على سعادته، وسعادة بيته وأطفاله.
وعندما تبكي المرأة في يأس، وتقول لزوجها: (أنت لا تعرف شيئاً عن طبائع النساء، ولو أنك تعرفُ، لما فعلت ما فعلت!).
عندما تقول المرأة هذا الكلام لرجلها في غمرة حزنها، إنما هي تريد في واقع الأمر أن تدفعه دفعاً إلى بذل محاولة، ولو يسيرة، لفهم حقيقة مشاعرها! إنها تريد أن تصور له قسوة الإصابة التي لحقت بها نتيجة لفشله في الإحساس بالحرج الذي أصابه من صنعه، وأدمى قلبها! إنها تريد أن تقول له: (خذني بين ذراعيك، فأنا في حاجة إلى عطفك وحبّك ورعايتك!).
ومن بين الأسباب الأساسية التي تساهم في فشل الرجل في حياته مع امرأته هو شعوره بأنّها تطلب منه أكثر مما تحتمله طاقته.
فهو يتصور مثلاً أنها تريد أن تمتلكه، تريده أن يفكر بعقلها هي، ويتصرف وفقاً لما ترتضيه هي، ويفعل ما تشير عليه به. فيصور له تفكيره في النهاية أنّه لو فعل كل هذا الذي تريده به امرأته، لم يجد بعد ذلك الوقت الذي يستطيع أن يتفرغ فيه لعمله ورزقه، وبالتالي يصبح إنساناً مسلوب الفكر والإرادة.
وشيئاً فشيئاً، يبدأ الرجل في الشعور بالسخط على هذه الحياة التي أصبحت سجناً من حوله، يسير إليه بقدميه كل يوم، عندما يحين موعد عودته إلى البيت، بعد انتهاء عمله!
فالرجال صنفان.. رجل يتعلق بأمه، حتى بعد الزواج، وقد يزداد تعلقه بها إذا أحس أنه افتقد الحنان الذي كانت تُغدقه عليه الأم، في المرأة التي اختارها زوجة له
وينمو هذا الشعور، ويستبد بالزوج، حتى نراه وقد بدأ يكره اللحظة التي تجمعه بزوجته وأطفاله تحت سقف واحد! ويبدأ الرجل يفكر في الهرب من هذا السجن، ولكن إلى أين؟
فالرجال صنفان.. رجل يتعلق بأمه، حتى بعد الزواج، وقد يزداد تعلقه بها إذا أحس أنه افتقد الحنان الذي كانت تُغدقه عليه الأم، في المرأة التي اختارها زوجة له. فقد تعود أن يأخذ من أمه حبّها، وعطفها وحنانها، دون أن تسأله أو تحاسبه! فالأم تعطي دائماً ولا تطلب أبداً.
وصنف من الرجال يهرب من البيت، بحثاً عن الدفء الرخيص بين ذراعي امرأة أخرى، تقدم له بعد أن يدفع الثمن! ولكنه سرعان ما يكتشف أن الحب الذي اشتراه بماله، بدأ يتلاشى عندما لم يعد قادراً على الاستمرار في دفع الثمن!
فالأول يعاوده الحنين إلى البيت الذي نشأ فيه بين أحضان والديه وأخوته، وإنَّ حياته الأولى تلك التي خرج منها ليبدأ حياة جديدة مع المرأة التي اختارها له زوجة، قد أصبحت غريبة عليه، كما أصبح هو غريباً عليها، ما جعل الزواج عادة رغم كل ما صوّره له عقله من مساوئ هذه العادة!
أما الرجل الثاني الذي هجر بيته، بحثاً عن الحب الذي دفع ثمنه من ماله وسمعته، فلن يطول به الوقت حتى يعود إلى بيته وامرأته نادماً، عندما يستيقظ ضميره، ويشعر بالجريمة التي ارتكبها في حق زوجته وأطفاله!
إنَّ أجمل شيء في الحياة أن يحاول المرء، رجلاً كان أم امرأة، أن ينفذ ببصره وفكره داخل النفس البشرية فيرى ما تخبئه من حب يبحث له عن منطلق، وقد لا يستطيع كل واحد منا أن يفعل ما فعل ذلك الرجل في حياته مع امرأته. ولكن البعض يحاول، ولا يمل المحاولة أبداً.. وفي محاولاته هذه، لا بد أنه في النهاية، سيجد السعادة التي ينشدها ويتطلع إليها في حياته.