هوامش جديدة على دفتر النكسة
مضى نصف قرن على نكسة حزيران/يونيو 1967، وهي حرب خاضها العرب للوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ووضع حدّ لاستهتاره بالمواثيق الدولية، والحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني، وكانت محاولة لاستعادة الأراضي المحتلة منذ نكبة 1948، ولكن لم تنجح الجهود العربية في كبح لجام الامتداد الإسرائيلي، فتحوّلت هذه الحرب بعد استمرارها ستة أيام إلى نكسة، نتج عنها احتلال إسرائيل لأراضٍ عربية جديدة هجّرت وقتلت سُكّانها، ولم تتردد في تدمير وإزالة الكثير من القرى وتحويلها إلى أطلال.
استنكر العرب النتائج الكارثية لنكسة 1967، وشارك الأدباء والشعراء في شجبها بكتابة مجموعة من المؤلفات، لوصف التبعات والآثار التي خلفتها وما زالت علاماتها موجودة حتّى هذا اليوم، وكان الشاعر العربي نزار قباني من المشاركين في استنكار النكسة، فكتب عنها قصيدة من أقوى القصائد السياسية وهي "هوامش على دفتر النكسة"، فكانت الصرخة التي أراد أن يُعبّرَ فيها عن ألمه وحُزنه للحالة التي وصلت لها البلاد العربية بعد النكسة، واستخدمها لتكون السوط الذي جلد فيه الهزيمة بجميع خسائرها وآثارها الممتدة في خريطة العالم العربي. يقول نزار قباني في مطلع القصيدة "أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة، والكُتُب القديمة / أنعي لكم ... أنعي لكم، نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة".
كان لقصيدة "هوامش على دفتر النكسة" تأثير قوي منع الشاعر نزار قباني من دخول مصر، وتوقفت قصائده عن البث في الإذاعة، وحُظرت القصيدة من النشر والتداول؛ بسبب النقد الجريء والقاسي الموجّه في أبياتها إلى العرب، وجاء الرد عليه بتطوّع أقلام مجموعة من الكُتّاب لمهاجمته وانتقاد قصيدته، فكتب رسالة مرفقة بنسخة من القصيدة إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وشرح فيها موقفه من النكسة والأسباب التي دفعته لكتابة القصيدة، وقال في أحد سطور الرسالة "إن قصيدتي كانت محاولة لإعادةِ تقييم أنفسنا كما نحن، بعيدًا عن التبجح والمغالاة والانفعال، وبالتالي كانت محاولة لبناءِ فكر عربي جديد يختلف بملامحه وتكوينه عن فكر ما قبل 5 حزيران/يونيو". كان رد الرئيس عبد الناصر بإلغاء جميع الإجراءات المتخذة بحق الشاعر نزار قباني، والسماح له ولقصيدته بدخول مصر.
بعد مرور نصف قرن على نكسة 1967، يمكن القول لو ظلَّ الشاعر نزار قباني على قيد الحياة حتّى هذا اليوم، لكان قد أضاف هوامش جديدة على دفتر النكسة أو ألّف قصيدة لا تقل عنها قسوة؛ بسبب المآسي والأزمات المندلعة في بعض الدّول العربيّة التي أدّت إلى ظهور مجموعة من النكسات المؤلمة، فالمأساة السورية التي قتلت السوريين، وشرّدتهم عن منازلهم، ودمّرت ديارهم تجاوزت حدودها المحلية وأصبحت نكسة عربية وعالمية بكافة تفاصيلها، أمّا الحال في اليمن ليست أفضل، فمأساته نكسة أخرى تقرع ناقوس الخطر الذي قد يعيده إلى الانقسام، ليصبح يمنين بعد وحدة اقتربت من الدخول في عقدها الثالث.
إن قصيدةَ "هوامش على دفتر النكسة" ليست إلا صدمة أعاد فيها الشاعر نزار قباني إنعاش الوعي العربي في القرن العشرين، أمّا في القرن الواحد والعشرين فأصبح من الضروري إيجاد حلول جذرية للمآسي المؤثّرة في بعض الدول العربية، من أجل بناء مستقبلٍ خالٍ من النكسات لجيل الأطفال؛ لأنهم الأمل الباقي لإعادة بناء أوطانهم. يقول الشاعر نزار قباني في الأبيات الأخيرة من القصيدة "يا أيها الأطفال، يا مطرَ الربيع.. يا سنابلَ الآمال / أنتم بذورُ الخصبِ في حياتنا العقيمة، وأنتم الجيلُ الذي سيهزمُ الهزيمة".