في السابع عشر من تمّوز/ يوليو 2016، أدرَجت "منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة" (يونسكو) المسطّحات المائية، التي تُعرَف بالأهوار، جنوبيّ العراق، على لائحة التراث العالمي، بناءً على التنوُّع البيئي في المنطقة الممتدّة على مساحة عشرين ألف كيلومتر مربّع تشمل خمس محافظات، وأيضاً بالنظر إلى بُعدها التاريخي، حيث تعود إلى خمسة آلاف سنة.
يعني إدراجُ "الأهوار" ضمن اللائحة أنّها باتت تراثاً عالمياً ينبغي العمل على حمايته من العوامل البشرية والبيئية. لكنّ السياسات المائية التي تتّبعها كلٌّ من تركيا وإيران، والمتمثّلة ببناء السدود وتحويل المجاري الفرعية للأنهار، سبَّبت، منذ مطلع العام الجاري، موجة جفاف، نتيجةَ شُحِّ المياه التي تصل إلى المسطّحات عبر نهرَي دجلة والفرات.
أدّت هذه التغيُّرات إلى نزُوح العشرات من سكّان هذه المناطق ونفوق أنواع حيوانية، مائية وبرّية، وهجرة أنواع أُخرى، وهو ما يُهدّد في النهاية التنوُّع البيئي فيها، ويُنذر بتغيُّر في البنية الأصلية للسكان، بما يعنيه ذلك من محوٍ ونسيان لشواهد التُراث الثقافي والحضاري فيها.
وليست هذه المرّةَ الأُولى التي تتعرَّض فيها الأهوارُ للجفاف؛ فقد بدأت الظاهرةُ مع الحرب العراقية الإيرانية مطلع الثمانينيات، واستمرّت بعد ذلك في فترات مختلفة ولأسباب مختلفة أيضاً؛ منها السياسات المائية لبلدان المنبع، والإجراءات الأمنية التي اتّخذها النظام السابق الذي كان يعمد إلى تحويل مجاري الأنهار وإقامة السدود لحجب المياه عنها، لكون المنطقة شكَّلت ملاذاً آمناً للملاحقين، بالنظر إلى طبيعتها الوعرة. غير أنّ الموجة الحالية هي الأشدّ.
في ظلّ إهمال رسميّ للتراث العراقي، نُظّمت في الفترة الأخيرة عدّة فعاليات ومحاضرات ووقفات مِن قِبل منظّمات مجتمعية وثقافية وبيئية، بهدف لفت الأنظار إلى الأزمة التي باتت تتهدّد وجود الأهوار وتاريخها، كذلك أُطلقت حملاتٌ بعناوين مختلفة؛ مثل: "إنقاذ الأهوار من الموت"، و"إنقاذ الأهوار من الجفاف"، و"نايات القصب تستغيث" و"الحملة الوطنية لإنقاذ الأهوار العراقية".
في هذا السياق، أنجز التشكيليُّ العراقي باسم المهدي، أخيراً، لوحةً بالخط الكوفي التربيعي، تتألّف من كلمتين هُما: "أنقذوا الأهوار"؛ حيث نفّذها على مساحة ألفَي متر مربّع وسط "هور الجبايش" (محافظة ذي قار) الذي يَشهد جفافاً تامّاً.
أُطلقت فعاليات عدّة للفت الأنظار إلى أزمة باتت تتهدّد الأهوار
اعتمد المهدي في لوحته، التي استغرق العملُ عليها قرابةَ شهر، على مواد طبيعية، ومنها "الحصير" الذي يُصنَع من القصب المنتشر في المنطقة. وبسبب حجمها، لا يمكن رؤية اللوحة كاملةً إلّا من الجوّ، حيث تظهرُ أيضاً الأرض القاحلة التي كانت في ما سبق مسطَّحاً مائياً.
من جهة أُخرى، أطلق "منتدى الفنّ الفوتوغرافي" في ذي قار "استغاثة مرّةً أُخرى"، وهو عنوان معرض فوتوغرافي أقامه في مدينة الناصرية (مركز المحافَظة) يوم الواحد والعشرين من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، ويُقام مُجدَّداً في بغداد اليوم الجمعة، قبل أن ينتقل إلى محافظات أُخرى.
يُشارك في المعرض 12 مصوّراً بقرابة 44 صورةً فوتوغرافية (من بينها صورةٌ للوحة باسم المهدي) توثّق للحياة في الأهوار اليوم؛ حيث تَبرزُ فيها مظاهر الجفاف في المسطّحات المائية التي تكاد تصير أثراً بعد عين، كما في صُوَر حسام الدبي وعبد الرضا عناد، وآثار الجفاف؛ مثل موت النباتات ونفوق الحيوانات وهجرة السكّان لبيوتهم المبنية من القصب كما في صُوَر عقيل غانم وحيدر كاظم، بينما ركّزت صُوَر علاء الأسدي على "المشحوف"، وسيلةِ النقل الأساسية بين المجاري المائية، التي استُغنيَ عنها بشكلٍ تامّ.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول المُشرف على المعرض، المصوّر عبد الرضا عناد: "وثّقْنا، من خلال الأعمال الفوتوغرافية المعروضة، لخراب الأرض ونزوح السكّان ودمار الثروة البيئية والحيوانيّة. وهذا ما يجعل المعرض بمثابة وقفة احتجاجية من أجل الأهوار، وصرخةٍ لإشعار الناس بحجم الخطر المحيط بنا".
يُذكر أنّ "استغاثة مرّة أُخرى" يمثّل تتمّة لمعرضٍ سابق أقامه "منتدى الفن الفوتوغرافي" عام 2015 بعنوان "استغاثة"، وكان جفافُ الأهوار موضوعه أيضاً.