لا بواكي لشعوب الشرق والجنوب في غرب أوروبا وكلّ أميركا. هذه جغرافيّات من ملكوت الشرّ، لا تعرف البكاء. إنّهم أناس باردون: وجوهُهم مثل الكاوتش الصلب، لا يتحوّل لونُها إلى الأحمر، غضباً، إلّا إذا أشار عليهم أحدٌ بذلك.
العالَم ينهار من حواليهم، بفعلهم هُم، وبأيدي عملائهم هُم، فلا ترى شعوبهم كيف أنّ فوضى الإعدامات الميدانية لشعبٍ عريق تصدح باطّراد في آلة عدّ الدولارات، وكلّما سال الدم أغزر، توهّجت الآلةُ، وباضت فوائض القيمة، في الحسبان الشخصي.
إنَّ أوروبا، في طَور انحلال وانحطاط، منذ قرن ونصف على الأقل، وإنَّ كلَّ هذا الفساد الكبير في حياة أنظمتها وحكّامها (مع سواد الناس الذين صُمّوا، خاضعين لتوجيهات سفارتَي أميركا وكيان الاحتلال الإسرائيلي)، لهو سببٌ من جملةِ أسباب كي يكونوا على ما هُم عليه اليوم، وربّما غداً وبعد غد.
يُطلب منهم الصمت فيصمتون، وتُبحّ حناجرهم حين يُطلب منهم الصراخ
إنَّ عيشهم في طور الرأسماليّة الماليّة الأشدّ فتكاً هو ما أنتجَ هذا الفساد الكبير، وهذا بدوره أتلف جوهر إنسانيّتهم، فجعلهم في وجوب المواقف، يلتزمون التواطؤ أمام كلّ مجزرة، تُمسي مع الوقت محرقة. لقد عشنا بينهم، ورأيناهم مثل المنوَّمين بالريموت كونترول: حياتهم تنحصر بين البيت والعمل، ولا بوصة على مدى الأنف، أبعد. ولهذا، حين يُطلب منهم الصمت يصمتون، وحين يُطلب منهم الصراخ قد تُبح حناجرهم، وتُفسد حبالُ الصوت من شدّة ما صرخوا وحطّموا أكفّهم، إرضاءً لزيلينسكي.
لقد استناموا للأخ الأكبر، ذلك "الشهم" الأميركي، وهو يجمعهم في الحرارة تحت جناحيه.
وبما أنَّ الوضع قائم، كيف يقتنعون بأنّ كياناً أُنشئ لتوليد الرعب (الرعب حاجة عند الغرب، لمواصلة العيش على سرقة دول الشرق الأوسط خصوصاً، ودول الشرق والجنوب عموماً)، ليس له الحقّ في "الدفاع عن النفس"، فحسب، بل هو كيان لا حقّ له بالوجود، من الأصل، إذا التزم اللسانُ البشري وقائع التاريخ، دون نقصان؟
هل يفعل أيٌّ منهم أيَّ شيء من أجل البحث والتنقيب عن الوقائع، وهذه، كما المعاني عند جدّنا الجاحظ، مطروحة على الطريق؟
كيف يفهمون أنّ الكيان هو الجناح المسلّح لبريطانيا من قبل، ولأميركا، اليوم؟
هل يقف أحد منهم إلى جانب بلادنا، ويعرقل الجناح المسلّح الصهيوني لأميركا، أم أنّهم يفضلون بقاء العالم كلّه في خطر، فلا السلام يعمّ، ولا عدالة الشعوب تتحقّق، فقط من أجل استمرار رفاههم؟
هل من الصعب أن تبحث أوروبا عن الدفء الأمومي تحت أجنحة الدجاجة الأميركية، لو كانت لها مواقف غير؟
ما هو هناك لنتوقّعه منهم، سوى قليلهم يملك ضميراً، فيهتف: "أوقفوا حمّام الدّم في غزة"؟
هل هو النفاق الأبيض بمكانه المضمون، في سلّم العصابة، حين تغلّف كلّ شيء بكلمات منتشرة، دافعةً العدوّ إلى القتل عن سابق وعي وتخطيط ما نرى؟
كلّا، ثمّة أمور أعمق وأبعد كثيراً من مستوى النفاق، كشأن أخلاقي. إنّنا نتعامل مع غرب يعبد مصالحه حرفياً. ولهذا لا أمل لنا إلّا مواصلة النضال.
* شاعر فلسطيني مقيم في بروكسل