منذ بدأت مشروعها الفنّي حتى الآن، ما زالت ليناريخوس مورينو (مواليد مدريد، 1974) تعمل على بناء عالمٍ فني غنيٍّ وخاص. وها هي اليوم في معرضها "طقوس وآليات"، والذي أُقيم بين السابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي والخامس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في "غاليري بي أتش آي" بالعاصمة الإسبانية مدريد، تعرض مجموعة من الصور الفوتوغرافية على قماش خيش متوسّط الحجم معالَج بطبقة من الطلاء الأبيض، مُحاولةً من خلالها أن توثّق علاقة الانصهار بين العضوي والآلي، كل هذا على أرض تختلط على شكل ومضات حركيّة من أجل تصوير فكرة انعكاسات النظم الاجتماعية والاقتصادية التي تسيطر على مجتمع اليوم، والتي تقوم على فكرة واحدة فحسب: ثقافة الإنتاج.
تصرُّ الفنانة المدريدية في أعمالها الفنية على البدء من الأنقاض والشظايا والدمار وصولاً إلى تشكيل الهوية، وتحاول في خضمّ هذا كله، استشراف معانٍ جديدة، وابتكار علاقات وروابط تاريخيّة بين العلم والفن، لتشكّل أعمالها الفنيّة، ضمن هذا السياق، استعارةً يتلاقى فيها الإنسان والآلة؛ الشعور واللا شعور، الفكر والمعدن.
من أجل حلِّ لغز الإنسان/ الآلة، أو كما يُعرف علميّاً باسم "السايبورغ"، لا تكتفي مورينو باستخدام الأدوات والأنواع والأجناس الفنيةّ التقليدية، بل نراها تجرّب، تعبث وتخرّب. إنه خراب قائم على شهوة الاختلاط والتهجين، فهي تنسف الحدود المعروفة بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي.
تتجاوز مورينو في أعمالها قيود الرؤية البشرية من خلال التصوير الفوتوغرافي القوي الذي يستخدم سلسلة من الومضات لالتقاط الحركة المتسارعة. هكذا ستبدو الخيوط الموجودة في أي صورة كأنها دخان متبعثر، لكنه في حقيقة الأمر سيكون شيئاً آخر تماماً، ولن يكتشف الزائر ذلك إلّا عندما يقترب من العمل الفني. هنا تماماً، سيسأل: هل هذه صورة فوتوغرافية أم لوحة؟
أعمالٌ تنسف الحدود المعروفة بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي
"في عملي، ثمّة دائماً دفاعٌ عن الشيء الآخر ضد الصناعي. عندما أطبع على الورق، غالباً ما تكون النتيجة مسطّحة وصناعيّة للغاية. من هنا كانت فكرة الطباعة على الخيش، فهي تحتوي بصمة الإنسان، وهي على المستوى المفاهيمي، تقدّم عملاً متماسكاً يكاد أن ينبض. وما إن يبدأ النبض وتدبّ الروح، حتى أعطي شكلاً لهذا الجسد مضيفةً هشاشة الإنسان: الأقمشة، والخيوط، والجوارب التي تتناقض مع العناصر الصناعية القاسية التي تمليها تعليمات الآلة"، تجيب الفنانة المدريدية.
من الناحية الإبداعية، يبدو عملُها الفنّي فضاءً يتّسع للأشياء كلّها: المطبوعات الفوتوغرافية، الألوان، الأدوات العلميّة، البقايا الصناعيّة، والشظايا؛ تلك الأشياء التي لها جسدٌ وذاكرة. من الناحية العلميّة، سيكون عملها مستوى ثانياً، بعداً ثنائياً من أبعاد الزمن يحلّل، بعقل آلي، معنى تلك الشظايا، بوصفها نتاج مجتمع كامل يعاني، بالدرجة الأولى، من أزمة اقتصادية، إضافة إلى خلل عام في مختلف الجهات الفاعلة في السلطة. هكذا، تخلق مورينو زاويتها الإبداعية الخاصة، مبرزةً موضوعات موجودة على هامش ثقافة الإنتاج، ومعيدة ابتكار الأشكال من خلال الدمار.
علاوةً على ذلك كلّه، تحاول مورينو في صورها الفوتوغرافية متابعة التحوُّلات الاجتماعية والحميمية المتعلّقة بالطقوس، من هنا، يمكننا أن نستنشق في صورها عبقاً مألوفاً، إنه عبق الذاكرة، ماضياً وحاضراً، مبتعدةً بذلك عن أي غرضٍ توثيقي. وظيفة الذاكرة هنا ليست وظيفة أرشفية، بل مساحة جديدة للخيال، وفي هذا الخيال تسبح الكائنات والبشر والأشياء والمعادن وفقاً لطقوسها.
في معرض ليناريخوس، سيكتشف الزائر مستويات عديدة للمعرفة: الجسدية والحدسية والظاهرية، غير أنه، في هذا كلّه، سيدرك فاجعة أنه تحوّل إلى كائنٍ هجينٍ، وصار إنساناً آلة.