يوم تلقّي الرفض الأول، في الشهر العاشر من عام 2020، كان ذلك اليوم حزينًا بالنسبة لي وقد أثّر عليّ كثيرًا. كلّ ما كنت أؤمن به انهار مثل بيت من الورق. نحن هنا لاجئون بوزن الذبابة، ولا شيء غير ذلك إلّا ويكون تجميلاً للحقيقة.
الأفارقة، العالم الثالث، من المستحيل ألّا تحبَّ أفريقيا وسكّانها بعد القراءة عن تاريخها وثقافاتها، أو معاشرة أحد سكانها، سواء من الرجال أو من النساء. ومن حسنات اللجوء، الذي تكون حسناتُه عادةً معدودة على الأصابع، أنّني في مخيّم بروخم، وخارجه، تعرّفت على وصادقت الكثير من الأفارقة، من الكاميرون وغانا والصومال وإرتيريا والنيجر وأنغولا والرأس الأخضر وغينيا بيساو وعشرات البلدان الأُخرى.
صارت الليبرالية الرأسمالية أكبر نظام لصوصي عرفه تاريخ البشر
وأشهد أنّهم أرقى من بني قومنا كثيراً، وأطيب نفساً وأوفى صداقات، ومعاشرتهم سهلة، بلا مشاكل. إنهم أولئك الإنسانيون على فطرتهم الأُولى، كما خلقهم الربّ. وهم في هذا أشبه كذلك بالأميركيين اللاتينيين، حيث تطيب العشرة مع كليهما. ولهذا، ولغيره، ستظلّ خطاي هنا أو معظمها مكرّسة دوماً لهم، دائماً على طرقات أفريقيا السوداء وأميركا الجنوبية السمراء. مسترشداً بما قاله يوماً العزيز راؤول "ادرس أفريقيا بأُمّ عينيك وبقلبك، وليس بأمّ عين المستعمرين العمياء".
لقد أصبح سكّان القارتين، بالفعل، مع طول العِشرة، جزءاً من الروح، لا غرو في ذلك. الهنود مثال ثالث، أمّا كوبا والكوبيون (كوبا، الجزيرة لا تكاد تبلغ مساحتها 110.000 كيلومتر مربع، أي ما يعادل خُمس إسبانيا، بعدد سكانها البالغ 11.3 مليون نسمة)، كانت حجر الزاوية المركزي للتاريخ في النصف الثاني من القرن العشرين: منارةً مضيئةً لسياسة إنهاء الاستعمار، وأملاً لنا في فلسطين المحتلّة، بأنّنا نستطيع الصمود في حصارنا ووحشتنا، وألّا نعدم وسائل للمقاومة، مهما افترى علينا الإمبرياليون البيض وربيبتهم الصهيونية. مع بقاء السؤال الشيوعي مفتوحاً وقيد النظر والتحليل، بين آونة وأُخرى: "ما العمل؟"
كوبا، كأمل واقعي، بدون أحلام يقظة، وكنداء ضدّ العدمية، ستكون هناك أوقات عصيبة على الجميع وخاصة بالنسبة للبلدان ذات الاحتياطيات الكبيرة من الموادّ الخام. ولا غرو أنّ كلمة السرّ بين الشعوب المضطهَدة هي التضامن، وأنها، مهما أوحشت الطريق وشحّ الزاد، لقرون من الزمن، ستنتصر وسيسود توزيع أكثر إنصافًا للثروة، كما سيسود نمط عقلاني للإنتاج والاستهلاك يضمن بقاء الجنس البشري.
كم من الضوء والضوء والمزيد من الضوء، بين سطور صفحات ماركس؟ إنه عندي بمثابة الملاك العِلماني الحارس، لأنظمة تمتين الوعي، وكذلك هو مستشار الكرامة عندي، كشخصٍ وكنصّ. دوماً ما أعود إليه، لأستنبط من بين سطوره الجافة طراوة الشعر. بل أبعد، هو كرامة كلّ مواطن يساري في أي بلد في العالم. لا نقدّسه بهذا، لأنه هو نفسه لم يحبّ أن يُسمّى ماركسياً، ولكن وقتنا الحاضر، حيث افترت الليبرالية الرأسمالية، في موجاتها الأكثر حداثة، بحيث صارت أكبر نظام لصوصي عرفه تاريخ البشر، حيث تسرق سواد الناس برضاهم، وبنعومة خبيثة، لم يعرف لها التاريخ شبيهاً من قبل.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا