في ألبومها الجديد، "غاوي بني آدمين"، تحاول فرقة "بلاك تيما" المصرية، من خلال تعاونها مع موزعين وموسيقيين بنوا شهرتهم في السوق التجاري، أن توازن بين المحافظة على خطها الفني ومتطلّبات "النجاح" في السوق؛ معادلة صعبة تقتضي تقديم موسيقى بجودة عالية.
هكذا، تتنوّع الأنماط الموسيقية التي عملت عليها في هذا الألبوم؛ إذ راوحت بين الراب، وما هو مستقى من التراث المصري والموسيقى الصحراوية، حتّى أنّها نوّعت أحياناً في اللغة نفسها، فتارةً نجدها عاميّة، وتارةً فصحى.
في أغنية "إنت فاكرني"، تلجأ الفرقة إلى الموسيقى الهندية، عبر آلة الكَوَلة، التي لعب عليها عبد الله حلمي. تستلهم الأغنية في كلماتها وموسيقاها الواقع المصري. عموماً، مال توزيعها نحو النّفَس التجاري، لكنه كان متناسباً مع خفّتها، ولم تفقد جودتها الفنية؛ كما بدا واضحاً في التلوين الصوتي للمغنّين الثلاثة.
كذلك الأمر مع أغنية "كبِرت"، التي اتّسمت بتوزيعها التجاري، لكنّه كان غنيّاً موسيقيّاً. في بدايتها، كان الرّاب يُغنّى ولا يؤدّى فقط. لكن، من جهة أخرى، لم يكن دخول كورال الأطفال موفّقاً، خصوصاً عند استخدام الأوتوتيون (مصحّح النغمات الإلكتروني) على صوت الطفل الذي ختم الأغنية، وإنْ أُريد بذلك التعبير عن التغيّرات النفسية المصاحبة للنضوج.
تتأرجح أغنية "وينك" بين العامية الصحراوية والفصحى. تبدو جذابة للوهلة الأولى، حتى تعترض طريقها مصطلحات غامضة، مثل "سُكّر الأجماع"، التي يُمكن التغاضي عنها من خلال اللحن الذي يُلاحظ فيه لمسة الرّاي التي بدت أوضح مع الأكورديون. لم تُخفِ سهولة الغناء نغمياً صعوبةَ تقطيع الكلام على اللحن، كما لم تقلّل من حجم الأوتوتيون المستخدم على صوت أمير صلاح.
حملت "كل مرة" في لحنها طابعاً خماسياً في الغناء، لكن التوزيع كان رتيباً بعض الشيء، وربما أنقذه سطر الوتريات، إلّا أن اللحن أيضاً، لم ينج من التكرار؛ إذ قاده التوزيع إلى ذلك. يُلاحظ هذا الأمر عند الاستماع إلى الغيتار (صولو) والكيبورد.
مزيجٌ من الريغي والإيقاعات الأفريقية والكلمات النوبية، تمتّعت به أغنية "أوسو أوسو"، التي كان مدخلها لافتاً، إلّا أنّ سوء التوزيع عاد من جديد وغلب على القطعة؛ فسطور الغيتار كانت مُتقنة، لكن صوتها منخفض، ولم تُكتب الموسيقى بشكل يتّسق مع آلات النفخ النحاسية التي عزفتها، فجاءت سطورها مُزدحمة، تفتقد إلى المرونة. بينما حافظ صوت الكورال على جودته إلى حد ما.
عموماً، يمكن القول إنّ "غاوي بني آدمين" عملٌ تمتّع بألحان جيّدة نسبيّاً، حاولت التنويع ضمن عدّة قوالب موسيقية، إلّا أنّ هذه المحاولة، شابها شيءٌ من الركاكة في كثير من الأحيان، خصوصاً في عملية التوزيع التي ظلّت متقلّبة على مدار أغاني الألبوم الذي كان يحتاج إلى تأنٍّ أكثر في بناء صيغته التوزيعية، واعتناءٍ أكبر في المقولة الموسيقية التي سعى إلى تقديمها.