هذا إسلام تجاوز التشدّد والتعصّب إلى الإرهاب لتحقيق غايات سياسية، لا يمتّ إلى الدين إلا بالتستّر به، وتجنيد مسلمين والتغرير بهم، ولا يعدمون من يلتحق بهم من الناقمين على مجتمعاتهم ومرضى الوساوس القهرية وبارانويا الاضطهاد وجنون العظمة... فمجانين الشريعة يستدرجون مجانين القتلة، طالما يجدون منابر لإصدار فتاوى تحرّض على القتل والانتحار، وضخّ شعارات تسوّغ ذبح الإسلام قبل الأديان الأخرى.
توازيه في الخطر، عنصرية مجانين الغرب الذين يحوّلون ما يتلبّسهم من ذهان وعصاب نحو ذوي البشرة السمراء والشبان الملتحين والمسلمات المحجّبات؛ ما يشبع هوسهم إلى عدو ينزعون عنه إنسانيته.
هل هذا ما يدعى بـ"جهاد الحضارات"؟ طرفاه مختلّان عقلياً، تنساق إليه في الغرب، حكومات وأحزاب ووسائل إعلام؛ يُستثمر في تأجيج السياسات المعادية للمسلمين، ويُستغلّ في الانتخابات بمخاطبة المشاعر العنصرية، بتحميل كلّ مسلم وزر الإرهاب.
جوهر "الإسلاموفوبيا" هو رفض الإسلام كدين معترف به، واعتباره ديناً همجياً متخلّفاً يمارس الذبح أمام عدسات الكاميرا، ويخطف المراسلين الأجانب، ويبتزّ حكومات المخطوفين بملايين الدولارات، ويعاقب بقطع الرأس والأيدي والأرجل، مروراً بالصلب، إلى الرمي من حالق.
في أوروبا، تشَنّ حملات تحذّر من محاولات سيطرة المسلمين وفرضهم الشريعة، بدعوى "أسلمة الغرب".
برّرت الهجمات على المساجد والمطالبة بعدم بنائها، ومنع ارتفاع المآذن وصوت الأذان. بهذا المعنى، قد يجد البعض أن الغرب يدافع عن معتقداته ونمط حياته ضدّ أقليات مهاجرة عصيّة على الانصهار، تتبرّم من أسلوب الحياة الغربية، تؤكّدها ظاهرة انتشار الأزياء الإسلامية، وباعة اللحم الحلال، والامتناع عن أكل لحم الخنزير، وتعاطي المشروبات الروحيّة.
إزاء هذا التعارض، يصبح المسلمون رهائن محتملين في الغرب، وخاصة أن التمييز ضدّهم لم يعد نابعاً من بعض الأفراد، بل تعدّاه إلى المجتمعات، طالما هناك مؤسسات تعمل على تصنيع الكراهية، وجماعات متخصّصة تهتمّ بنشر ثقافة الترهيب، وتعميم الخوف من الإسلام، ودمغ المسلمين بالشرّ. ومهما اختلفت خطابات الكراهية ودرجات تطرّفها، فالسائد بات هو العداء للمهاجرين المسلمين، ومحاولات شيطنتهم.
يتوجّس الغرب من المسلمين بزعم أنهم يريدون فرض حضارتهم ودينهم وتقاليدهم. ويتوجّس المسلمون من إجراءات تهدف إلى تهميشهم وإقصائهم وإبعادهم وطردهم ولو بالقوة.
إذا كان التوجّس هو اللغة المتبادلة بين الغرب والمسلمين، فنحن على أعتاب حرب صليبية، لن يربحها سوى الإرهاب. وفي هذا التحدّي استنهاض للإسلام من أجل استعادة مكانته في العصر والعالم، وإثبات أنه دين قادر على الإسهام في صناعة السلام، لكن ليس قبل تنظيف روحه من ويلات الداخل.