بالنظر إلى المواضيع التي يتناولها في محاضراته ومؤلّفاته في السنوات الأخيرة، قد لا يعلم متابع الأنثروبولوجي التونسي يوسف الصدّيق (1943) أن تخصّصه الأصلي هو الفلسفة اليونانية القديمة، وأنّه من القلائل الذين ترجموا مباشرةً من اللغة اليونانية القديمة؛ وأهم ما نقله إلى العربية في هذا الإطار "قصيد بارمنديس" التي تمثّل أحد منابع الفلسفة.
يحضر صاحب كتاب "هل قرأنا القرآن؟" منذ سنوات أساساً للحديث في مسائل إشكالية تتعلّق بالدين، بالنظر إلى تخصّصه في أنثروبولوجيا القرآن منذ عقود، وأيضاً في مسائل الراهن السياسي التونسي، ومن النادر أن يُسأل في موضوع فكري أو فلسفي، وإن كان للأمر أسباب موضوعية، حيث أن الصدّيق كان قد تخلّى عن وظيفته كأستاذ فلسفة ليتّخذ مسارات أخرى في الصحافة أوّلاً، ثم الأنثرولوجيا مع انتقاله للعيش في باريس.
"الطبيعة لدى اليونان" عنوان أمسية فكرية يتحدّث خلالها يوسف الصديّق في "بيت البناني" في المدينة العتيقة من تونس العاصمة بداية من السادسة من مساء يوم غد الإثنين، وبذلك فإن الأنثربولوجي التونسي يعود إلى مجال يبدو وقد هجره منذ سنوات طويلة.
لا ينفصل الحديث عن الطبيعة ودراساتها، أو ما يُعرف بالعلوم التجريبية، عن الفلسفة لدى اليونان، خصوصاً أنّ الحضارة الإغريقية تُعدّ في كلّ المجالات المصدر الرئيسي للمعرفة المعاصرة؛ فقد وضع علماء اليونان القديمة أسس العلوم التجريبية مثل الطب والكيمياء والميكانيكا، كما أن مفكّريهم وضعوا أسس الفلسفة.
من جانب آخر، لم يكن تلقّي المعارف اليونانية القديمة في الحضارة العربية الإسلامية يتوقّف عند هذا مجال محدَّد، فعلماء العصر العبّاسي كانوا يجمعون في الغالب بين تخصّصات علوم الطبيعة وعلوم العقل دون تفرقة، بل إنَّ الأمر كان يبدو لهم مثل تكامل ضروري بينهما.