قالت مصادر غربية إن واشنطن تناقش مع حلفائها في أوروبا خطة جديدة لخفض دخل الخزينة الروسية من صادرات الخامات البترولية بدلاً عن الحظر الذي بات مكلفاً لكل من واشنطن والدول الأوروبية حتى قبل تنفيذه في أوروبا بشكل كامل. وتتلخص الخطة في أن تشكل دول الاتحاد الأوروبي تحالفاً مع مجموعة من الدول الكبيرة المستهلكة للنفط للاتفاق على تحديد "سعر معين للبرميل المستورد من روسيا وكذلك للمشتقات البترولية الروسية".
وتأمل واشنطن عبر هذه الخطة خفض دخل النفط الروسي المتحقق لدى الخزينة الروسية، وتبعاً لذلك تأمل واشنطن في إجبار روسيا على وقف الحرب في أوكرانيا. وهي خطة تستهدف تقليل دخل النفط الروسي بدلاً من تجفيف الدخل المتحصل من مبيعاته في أوروبا. وكانت دول الاتحاد الأوروبي قد أقرت في مايو/أيار الماضي خطة لحظر واردات الخامات والمشتقات البترولية الروسية. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية وقتها إن الخطة ستخفض مبيعات الخامات الروسية لأوروبا بنسبة 66% فوراً وبنسبة 90% في نهاية العام.
وحسب نشرة "أويل برايس" الأميركية في تقرير صدر يوم الأحد، ناقش رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، مع الرئيس الأميركي جو بايدن مجموعة من الخيارات لخفض دخل روسيا من النفط.
من بين هذه الخيارات، حسب النشرة النفطية، إنشاء "كارتيل من المشترين" أو تكتل من "مستهلكي النفط" لتحديد سقف معين لسعر الخام المستورد من روسيا. أو إقناع كبار المنتجين في أوبك لزيادة الإنتاج. ويرى خبراء أن الخيارين بحاجة إلى بذل جهود كبيرة لتحويلهما إلى واقع.
وتتخوف الإدارة الأميركية من التداعيات الخطرة لحظر النفط الروسي على مستقبل الاقتصادات العالمية، خاصة الاقتصادين الأميركي والأوروبي.
وتثار احتمالات من قبل العديد من المصارف الغربية وعلى رأسها مصرف "غولدمان ساكس"، أن الاقتصاد الأميركي قد يدخل مرحلة ركود اقتصادي. كما أن هنالك مخاوف على كساد الاقتصاد الأوروبي الذي تجاوز فيه معدل التضخم نسبة 8% لأول مرة. وستضطر أوروبا لدفع كلفة كبيرة للحرب الأوكرانية خلال العام الجاري، وربما تؤثر كلف الحرب على تماسك الاتحاد الأوروبي وفق مراقبين.
ويلاحظ أن المخاوف الأميركية من التضخم وارتفاع كلف المعيشة بسبب فواتير النفط والمشتقات البترولية تتزامن مع قرب دورة النصف لانتخابات الكونغرس الأميركية التي ستبدأ في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وبالتالي فإن إدارة بايدن، تتحسب لنتائج هذه الانتخابات على الأغلبية التي لديها في الكونغرس.
وكانت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين قد قالت في تصريحات نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، يوم 9 مايو/أيار الجاري "إننا نرغب في الحفاظ على تدفق الخامات الروسية للأسواق العالمية حتى تنخفض الأسعار ونتفادى حدوث ركود اقتصادي عالمي".
وأضافت قائلة، "يمكن أن تؤدي خطوة الاتحاد الأوروبي بحظر البترول الروسي إلى رفع أسعار النفط، وتقود إلى صعوبات لصناع السياسة الذين يحاولون معاقبة روسيا على غزو أوكرانيا"، مشيرة إلى أن مثل هذه الخطوة ستقلل من الخسائر التي من المتوقع أن يتكبدها الاقتصاد العالمي.
من بين الخطط التي جرت مناقشتها بين الدول الأعضاء في مجموعة السبع لخفض لتقليل دخل الخزينة الروسية من النفط، استخدام صناعة التأمين الغربية التي تصدر بوليصات التأمين على السفن والشحنات النفطية المستوردة من روسيا وإلزامها بوضع "سقف سعري محدد" لبرميل النفط الروسي. وتتركز معظم شركات التأمين على النفط في بريطانيا والولايات المتحدة. ولكن السؤال الذي يثار في أسواق الطاقة، هو عما إذا كانت موسكو ستقبل بفرض سقف سعري على خاماتها.
في هذا الصدد، قال الاقتصادي السابق في المصرف الأوروبي للإنشاء والتعمير، سيرغي غورييف، في مذكرة " بالتأكيد سيرفض بوتين بيع الخامات الروسية بسعر محدد".
وأضاف في مذكرة بهذا الخصوص، على الرغم من أن الشركات الروسية تبيع نفطها بحسومات كبيرة لكل من الصين والهند، ولكنها لا تزال تحقق أرباحاً من هذه المبيعات وأنها تحقق أسعاراً أعلى من كلف الإنتاج".
ويرى غرييف، أن روسيا حتى إذا باعت نفطها بسعر 70 دولاراً للبرميل، فإنها تستطيع تحقيق أرباح كبيرة مقارنة بالسعر الذي احتسبته لسعر برميل النفط في الميزانية الروسية.
وكانت وزارة المالية الروسية قد أكدت أن متوسط سعر برميل النفط الروسي من نوعية خام الأورال بلغ في المتوسط في أبريل/ نيسان الماضي مستوى 70.52 دولار بزيادة نسبتها 12.8% عن نفس الشهر من العام 2021.
وحسب وكالة تاس قالت وزارة المالية الروسية في بيان في 4 مايو/ أيار الماضي، إن متوسط سعر برميل الأورال في أبريل/ نيسان 2022 بلغ 70.52 دولار للبرميل.
من جانبها قالت بيانات "ستات تيستا" المتخصصة في البيانات المالية، أن سعر خام الأورال بلغ 78.8 دولارا حتى بعد الحسومات.
ويشير محللون إلى أن روسيا ستحقق إيرادات كبيرة حتى في حال تراجع أسعار خاماتها بعد الحسومات السعرية الكبيرة التي بلغت أكثر من 30 دولاراً.
وتشير تقديرات إلى أنه حتى إذا بقيت الأسعار عند 90 دولارا للبرميل هذا العام فستحصل الميزانية الروسية على 65 مليار دولار إيرادات إضافية، وإذا وصل سعر البرميل إلى 100 دولار ستكسب الميزانية مبالغ تراوح بين 73 - 80 مليار دولار إضافية، ولكن في أعقاب إعلان الحظر الأوروبي على الطاقة الروسية ارتفعت الأسعار إلى نحو 120 دولاراً لخام برنت، وهنالك توقعات تشير إلى أن سعر النفط ربما يحلق فوق 150 دولاراً خلال العام الجاري.
وبالتالي وعلى الرغم من الكلفة العالية لإنتاج النفط الروسي والضرائب عليه، فإن الهامش الربحي سيظل مرتفعاً للخامات الروسية. وحسب البيانات الروسية الرسمية، تتراوح كلف الإنتاج للخامات الرسوية بين 15 إلى 45 دولاراً للبرميل وفق نوعية الحقل وسهولة الاستخراج.
لكن من جانبها تشير تقديرات شركة "أي إتش أس ماركت" الأميركية، إلى أن كلفة انتاج النفط الروسي هي الأعلى في العالم، حيث تبلغ كلفة إنتاج البرميل من الحقل البحري 44 دولاراً، بينما تبلغ كلفة الإنتاج للحقل البري 42 دولاراً للبرميل، ولكن كلفة الحقل في منطقة المتجمد الشمالي قد تفوق هذه المبالغ كثيراً.
في المقابل فإن كلفة الإنتاج للبرميل في السعودية تقدر في المتوسط بنحو 17 دولاراً. كما تقول "آي إتش أس" أن الحكومة الروسية تفرض كذلك ضرائب مرتفعة على الشركات البترولية العاملة في روسيا.
وحققت روسيا خلال الأيام المئة الأولى من غزو أوكرانيا عائدات قدرها معهد فنلندي بنحو 93 مليار يورو من صادرات النفط والغاز الطبيعي. وذكر تقرير صدر عن "مركز البحوث حول الطاقة والهواء النظيف" الذي يتخذ من هلسنكي مقراً له، أن دخل النفط الروسي يرتفع في وقت تحض أوكرانيا الغربيين على وقف واردات الطاقة الروسية لحرمان الكرملين من مصدر تمويل الحرب.
وحسب التقرير، شكلت واردات الاتحاد الأوروبي نحو61% من دخل صادرات الطاقة الروسية، أي ما يقارب 57 مليار يورو، خلال الأيام المئة الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا.
يذكر أن كلاً من الصين وألمانيا وإيطاليا كانت من كبار الدول المستوردة للنفط الروسي. ويشكل النفط الخام ومشتقاته الدخل الرئيسي للخزينة الروسية، حيث بلغت 46 مليار يورو في المائة يوم الأولى من الحرب على أوكرانيا.
ويقدر الهامش الربحي لبرميل النفط الروسي بنسبة 31.3% في عام 2021. ويذكر ان سعر خام برنت لعقود أغسطس/ آب بلغ 120 دولاراً بينما بلغ سعر خام غرب تكساس الأميركي الخفيف لعقود يوليو/ تموز بلغ نحو 118 دولاراً في التعاملات الصباحية أمس الإثنين وفقاً لبيانات وكالة بلومبيرغ.
ويلاحظ أن تراجع حجم الإنتاج الروسي لم يؤثر حتى الآن على دخل الخزينة الروسية من النفط ومشتقاته، حيث إن الارتفاع في أسعار الخامات العالمية بات يعوض أي تراجع في حجم الانتاج الروسي الذي فاق 11 مليون برميل يومياً قبل الغزو الروسي. وفي المقابل فإن أسعار البنزين ارتفعت في أوروبا وأميركا إلى أعلى مستوياتها وباتت تهدد إلى جانب أسعار الغذاء بحدوث "ركود تضخمي" في الدول الغربية.