من النفط والغاز والمعادن إلى الحاصلات الزراعية والأغذية، يشهد الطلب ارتفاعاً متزايداً على هذه السلع لتتصاعد أسعارها، ما يدفع المستثمرين إلى تحصين محافظهم بزيادة الاستثمار في الأسهم المرتبطة بهذه السلع وتخفيف أوزان قطاعات أخرى، يتراجع الطلب عليها، حتى لو كانت مرتبطة بالتكنولوجيا التي تسوق العالم في الكثير من الأنشطة، وكأن لا صوت يعلو فوق صوت الغذاء والوقود والسلاح في هذه المرحلة.
وعلى ضوء الحرب الروسية في أوكرانيا المستمرة منذ 24 فبراير/ شباط الماضي، والعقوبات الغربية الصارمة التي تستهدف خنق موسكو والمخاوف من اتساع رقعة الاضطرابات، تتبدل توجهات أباطرة المال في الاقتصادات الكبرى وغيرها، لتناسب الظروف الحالية.
وفي أكبر اقتصاد في العالم، لم تكن بداية العام الحالي سعيدة لمستثمري الأسهم، إذ استمر معدل التضخم في الارتفاع، واحترق المواطن العادي بنيرانه بفعل ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والمعادن، لا في أميركا وحدها، ولكن في أنحاء المعمورة كافة.
البحث عن ملاذات آمنة
تسببت هذه الأجواء في دفع شرائح من المستثمرين إلى التخلص من نسبة كبيرة مما في حوزتهم من أسهم، أو البحث عن ملاذات آمنة، كسندات الخزانة الأميركية أو "الأسهم الدفاعية" المرتبطة بالسلع التي يتزايد عليها الطلب خلال الحروب والأزمات مثل المعادن والحبوب ومصادر الطاقة.
وقال مارك هايفيلي، مسؤول الاستثمار في بنك "يو بي إس" السويسري، في مذكرة لعملائه، اطلع "العربي الجديد" عليها، إن الحرب في أوكرانيا تسببت في حدوث المزيد من الارتفاع في أسعار السلع والطاقة.
ونصح هايفيلي عملاءه بـ"تنويع محافظهم بين الأصول المختلفة والمواقع الجغرافية المختلفة" لتخفيف المخاطر.
وأشار إلى ضرورة التفكير في استعمال "أدوات التحوط الجيوسياسية"، بما فيها التوجه نحو أسهم القطاعات التي يزداد الطلب عليها في أوقات الحروب وهي الأسهم التي تنتج السلع التي يصعب الاستغناء عنها، بالإضافة إلى شراء أسهم شركات النفط والطاقة، التي توقع لها أن تنتعش "سواء تطورت الأمور باتجاه المزيد من المواجهات العسكرية، أو أمكن التوصل إلى اتفاق يسمح بتسوية سلمية".
وخلال الأسابيع الأخيرة، سيطر الاجتياح الروسي لأوكرانيا وتوجهات البنك الفيدرالي الأميركي لرفع معدل الفائدة على أمواله على الأخبار في الولايات المتحدة وحتى البلدان الفقيرة التي تعتمد على الاقتراض لسد احتياجاتها التمويلية، حتى كاد العالم ينسى أنه عانى للتو من فيروس قاتل أودى بحياة الملايين.
ورأى ديفيد كاستنر، مدير مركز الأبحاث المالية ومسؤول إدارة المحافظ لدى شركة الخدمات المالية تشارلز شواب، أنه "حتى تزول غمامة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتتضح الرؤية في ما يخص تأثير ارتفاع أسعار السلع ورفع معدلات الفائدة وتقييد التمويل على الاقتصاد، يكون من الأفضل توزيع الاستثمارات بالتساوي بين القطاعات المختلفة".
وقال كاستنر في مذكرة أرسلها لعملائه ونشرتها الشركة على موقعها الإلكتروني، إنه سيتجه لتقليل استثمارات المحافظ التي يديرها في القطاع الصحي ليجعل لها نفس الوزن النسبي الموجه للقطاعات الأخرى، بعد أن كان يمنحه أفضلية على مدار العامين الماضيين.
القمح والغاز الطبيعي والمعادن
كما قرر كاستنر فعل الشيء نفسه مع القطاع المالي، بعد الخسائر التي يتوقع أن تتعرض لها بعض المؤسسات المالية، مثل "سيتي بنك" و"غولدمان ساكس" و"جيه بي مورجان"، لانكشافها على المؤسسات والأفراد الروس، في أعقاب فرض الدول الغربية عقوبات اقتصادية شاملة على روسيا وبنوكها والكيانات التابعة لها.
وأضاف كاستنر أن "الحظر التام لواردات النفط الروسي من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى أدى إلى تعزيز المقاطعة من قبل السوق الخاصة، وهو ما جعل الأسعار تقفز بالطريق التي شهدناها، ولم يتوقعها الكثيرون في هذه الفترة الزمنية القصيرة".
وتابع أن العديد من السلع الأخرى تأثرت أيضاً، "حيث تعد روسيا مصدرا رئيسيا للقمح والغاز الطبيعي والمعادن والأسمدة، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار معظم السلع".
وقدر كاستنر أن يستمر ارتفاع أسعار السلع "طالما بقيت الأمور غامضة فيما يتعلق بموعد هدوء مخاوف المتعاملين والطلب على تلك السلع، أو موعد هدوء العاصفة الجيوسياسية".
ولفت إلى أن التقلبات السعرية لهذه السلع ستكون كبيرة وسريعة، "الأمر الذي يزيد من صعوبة الاحتفاظ بآراء حول القطاعات التي تتأثر بها، مثل الطاقة والمعادن ومواد البناء". ونصح المستثمرين باللجوء إلى القطاعات الدفاعية، مثل المرافق والسلع الاستهلاكية ومواد البناء.
خنق الصادرات من منطقة البحر الأسود
وقد وسَّعت العقود الآجلة للقمح في بورصة شيكاغو مكاسبها، أمس الثلاثاء، بعد القفزة التي سجلتها في معاملات الإثنين، حيث يسعى بعض أكبر المستوردين في العالم إلى الحصول على الإمدادات عبر طرق ومصادر بديلة، بعد أن أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى خنق الصادرات من منطقة البحر الأسود.
وتجري الهند محادثات نهائية لبدء شحنات القمح إلى مصر، كما تجري أيضاً مفاوضات مع الصين وتركيا. من المرجح أن يظل المستوردون الكبار الآخرون، بما في ذلك الجزائر والأردن والمغرب، يحاولون الحصول على مشتريات جديدة من أجل الحفاظ على مخزوناتهم المحلية عند مستويات معقولة.
وارتفعت العقود الآجلة للقمح بنسبة 1.7% لتصل إلى 11.38 دولارا للبوشل (يعادل 27.2 كيلوغراما)، بعد أن قفزت بنسبة 5.2% في اليوم السابق. وتوقع توبين جوري، الخبير الاستراتيجي في بنك "كومنولث أستراليا"، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس، استمرار الأسعار مرتفعة، في ظل التفاؤل الضئيل بانتهاء الحرب قريباً.