من أعلى منابر المؤسسات الاقتصادية والمالية والاستثمارية الكبرى في العالم، تتسع دائرة التحذير من انفلات الأزمة المستجدة في فلسطين المحتلة، لما سترتّبه من نتائج وخيمة لا على اقتصاد المنطقة فحسب، بل على امتداد خريطة الكوكب.
التصريحات تنسجم في مضمونها إلى حد كبير، متماهية مع حجم العدوان الإسرائيلي الوحشي على الشعب الفلسطيني، في محاولة يائسة لكسر شوكة المقاومة، وصمود أهلها الصابرين، رغم الحصار والدم والدمار للأسبوع الثالث على التوالي.
ولعل أبرز من دق ناقوس الخطر حتى الساعة، رئيس البنك الدولي أجاي بانغا الذي حذر في الدورة السابعة لمؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" (دافوس في الصحراء) في السعودية اليوم الثلاثاء، من أن العدوان على غزة يمكن أن يوجّه ضربة "خطيرة" للتنمية الاقتصادية العالمية.
واعتبر أن العوامل الجيوسياسية تمثل أكبر خطر على الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، مضيفاً أن تلك المخاطر "تميل إلى التحرك" بسرعة، لذا لا ينبغي تجاهل مثيلاتها الأخرى، مشيراً في هذا السياق، إلى أن عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات تجاوز 5% لفترة وجيزة يوم الاثنين "وهذه مستويات لم نرها سابقاً".
وفي مندرجات كلامه، أبدى اعتقاداً بأن ما يحدث في فلسطين المحتلة "سيكون تأثيره على التنمية الاقتصادية أكثر خطورة"، مضيفاً: "أعتقد أننا أمام منعطف خطير جداً".
المنتدى الذي خيّمت عليه أجواء تشاؤمية لتزامنه مع استمرار العدوان الوحشي على الفلسطينيين في غزة، أشار فيه محافظ "صندوق الاستثمارات العامة السعودي" البالغة أصوله 778 مليار دولار، ياسر الرميان، إلى الحرب في فلسطين على نحو غير مباشر، محذراً من التحديات التي يمثلها ارتفاع معدلات الفائدة.
وفي هذا الإطار، قال: "مع تشديد المصارف المركزية السياسات النقدية في محاولة لإبطاء التضخم، تتكيف الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم مع هذا الواقع الجديد. وكانت هذه أسرع زيادة في أسعار الفائدة منذ أوائل الثمانينيات وتسببت في اضطرابات كبيرة وغير متوقعة".
كما تبنى كبار ممولي "وول ستريت" المشاركين في المناسبة نظرة تشاؤمية للاقتصاد العالمي يمليها استمرار العدوان، من منطلق أن التداعيات الاقتصادية للحرب مصحوبة بالديون القياسية وارتفاع أسعار الفائدة ما يرسم خلفية قاتمة للمشهد العالمي بأسره.
إلا أن رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك" لورانس فينك كان مباشراً أكثر بالإعراب عن قلقه، قائلاً: "ليس هناك شك في أنه إذا لم تُحل هذه الأمور، فمن المحتمل أن يعني ذلك المزيد من الإرهاب العالمي الذي يؤدي إلى مزيد من انعدام الأمن، وهو ما يترتب عليه أن تسود المخاوف المجتمع وتتعرض اقتصاداتنا للانكماش".
وفي الاتجاه ذاته، قال مؤسس أحد أكبر صناديق التحوط في العالم "بريدج ووتر أسوشيتيس" راي داليو: "إذا نظرت إلى الأفق الزمني، فإن السياسات النقدية التي سنراها وأشياء أخرى، سيكون لها تأثيرات أكبر على العالم.. وعندما تنظر إلى الفجوات العالمية، فمن الصعب أن تشعر بالتفاؤل حيال ذلك". وأعرب داليو عن تشاؤمه تجاه الاقتصاد العالمي في العام المقبل.
وقال الملياردير الأميركي، على هامش مبادرة مستقبل الاستثمار التي انطلقت فعاليتها في الرياض، إنه متشائم لأن هناك جوانب نقدية وسياسية يحدث فيها نزاع، كما أن لدينا ابتكارات وتطورات لها إمكانات هائلة لتقديم أشياء رائعة، لكنها في الوقت نفسه يمكن أن تكون مشكلة.
وسبق أن تحدث داليو عن الصراع في الشرق الأوسط، واحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة في مقال على "لينكد إن" في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قائلاً إن حرب غزة "تنطوي على مخاطر كبيرة تؤدي إلى صراعات عدة من أنواع مختلفة في عدد من الأماكن، ومن المرجح أن تكون لها آثار ستمتد إلى ما هو أبعد من تلك الصراعات".
كما حذّر الرئيس التنفيذي لمجموعة "إتش إس بي سي" نويل كوين من مخاطر الديون الحكومية الثقيلة، قائلاً: "أشعر بالقلق بشأن نقطة تحول فيما يتعلق بالعجز المالي، والتي عندما تأتي ستكون سريعة، وأعتقد أن هناك عدداً من الاقتصادات في العالم التي يمكن أن تحدث فيها نقطة التحول، وستكون شديدة القسوة".
ولاحظ العديد من قادة "وول ستريت" أن تصاعد العنف يطغى، ولو جزئياً، على مناقشة موضوعات الابتكار والتحول الاقتصادي. ومنهم الرئيسة التنفيذية لمجموعة "سيتي" المصرفية جين فريزر التي قالت إنه مع ما يحدث في فلسطين "من الصعب ألا نكون متشائمين بعض الشيء".
بدورها، اعتبرت كريستين ديوان من "معهد دول الخليج العربية في واشنطن" أن "السعودية تركز اليوم على تحولها الداخلي الذي يتطلب جواراً مستقراً"، مشيرة إلى أنه "من الصعب إقناع الناس بالاستثمار، أو ممارسة الغولف في الرياض، أو الاستمتاع بأشعة الشمس على طول ساحل البحر الأحمر، عندما تكون المنطقة مرتبطة بالحرب والإرهاب"، وفق تعبيرها.
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمصرف "ستاندرد تشارترد" بيل وينترز، إن هناك حروباً في أوروبا والشرق الأوسط يجري احتواؤها، معرباً عن أمله في استمرار جهود الاحتواء، وأضاف أن المخاوف الأكبر تتعلق بالاقتصاد وأسعار الفائدة والتضخم.
وفي كلمة خلال مؤتمر للطاقة في رافينا، الثلاثاء، قال الرئيس التنفيذي لشركة "إيني" الإيطالية كلاوديو ديسكالزي إن إيطاليا لا تشعر بأي قلق إزاء إمدادات الغاز للبلاد، رغم الأزمة الراهنة في الشرق الأوسط، معتبراً أن الصراع الحالي ليس له تأثير على إمدادات الغاز، بل على أسعاره.
وفي مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ"، ذكرت رئيسة قسم الأبحاث لدى مؤسسة "إليانز ترايد" آنا بواتا أن السيناريو الأسوأ للحرب في الشرق الأوسط قد يرفع سعر برميل النفط إلى 140 دولاراً، وربما يدفع العالم إلى حافة الركود، وحددت احتمال حدوث مثل هذا السيناريو عند 20% إذا تحولت حرب غزة إلى صراع إقليمي واسع النطاق يؤدي إلى توقف إمدادات النفط الخام.
وأشارت إلى أن النمو العالمي ككل سيتباطأ إلى 2%، وهو ما يقترب من الحافة التي تشير إلى الانكماش.
ويوم الجمعة الماضي، رأى وزير المالية الياباني شونيتشي سوزوكي أن حالة عدم اليقين تتزايد بشأن اقتصاد اليابان والاقتصاد العالمي بسبب الصراع في الشرق الأوسط.
وسبقه يوم الخميس تحذير من رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، خلال مؤتمر في نيويورك من أن التوترات الجيوسياسية تشكل "مخاطر كبيرة" على نشاط الاقتصاد العالمي.