تعيش الأسواق الفلسطينية في الضفة الغربية منذ قرابة أسبوعين حالة ركود تحدث عنها تجار لـ"العربي الجديد"، وكان قد أعلنها مرصد وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية، الذي أظهر انخفاضاً في مبيعات المحالّ التجارية خلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي بنسبة تفوق الـ50 في المائة.
يشكل هذا الركود انعكاساً مباشراً لتوقف قرابة 200 ألف عامل في السوق الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي (عملية طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية على غزة)، وتعليق رواتب 140 ألف موظف حكومي، وآخرين يستفيدون من المخصصات الشهرية الحكومية كالمتقاعدين، إثر قرار إسرائيلي باقتطاع مخصصات قطاع غزة من أموال الضرائب الفلسطينية، وقرار السلطة الفلسطينية في المقابل رفض تسلّم الأموال منقوصة، ما دفعها إلى تأخير صرف المرتبات.
يضاف إلى ذلك سبب ثانوي، هو الإقبال الكبير على الأسواق مع بداية الحرب وتخزين المواطنين مواد غذائية في منازلهم خشية انقطاعها.
تؤكد وزارة الاقتصاد، ونقابة تجار المواد الغذائية في الخليل لـ"العربي الجديد"، وجود وفرة في المخزون، وخصوصاً للمواد الغذائية الاستهلاكية الرئيسية، بما يكفي لأشهر، خصوصاً مع توجيهات من الجانبين للتجار مع بداية الحرب على غزة بزيادة المخزون المستورد، بعدما سادت مخاوف بشأن الإمدادات إثر توقف الموانئ الإسرائيلية عن العمل لعدة أيام.
تراجع المبيعات
يقول التاجر فيصل درّس لـ"العربي الجديد"؛ وهو من مستوردي المواد الغذائية في رام الله وسط الضفة الغربية؛ إن حركة السوق مع بداية الحرب على غزة، شهدت إقبالاً لمدة 6 أيام تقريباً، وشراءً من الناس بما يفوق حاجتهم، رغم ما كان يقدمه التجار لهم من نصائح مبنية على عدم وجود نقص في الكميات.
ويؤكد درّس أن السوق حالياً يشهد ركوداً كبيراً، نتيجة لذلك، ونتيجة ما أسماه المأزق الاقتصادي عند فئات كبيرة من المواطنين. وقد نشرت وزارة الاقتصاد، الاثنين الماضي، بياناً يتضمن نتائج تقرير أعده مرصدها حول واقع السوق وقطاع الإنتاج، يرصد انخفاض مبيعات المحالّ التجارية خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، بنسبة تزيد على 50 في المائة.
ويؤكد التقرير أن التراجع يتركز في مبيعات الملابس والأحذية، وألعاب الأطفال، والأدوات المنزلية، والأثاث، ومنتجات التنظيف، وبعض السلع الغذائية. ووفقاً للتقرير، فقد أشارت 91.4 في المائة من المنشآت الاقتصادية إلى تراجع مبيعاتها الشهرية بعد العدوان، و3.6 في المائة منها ازدادت مبيعاتها، في حين أن 5 في المائة بقيت مبيعاتها كما هي.
وأشارت 54.3 في المائة من المنشآت التجارية إلى أن مبيعاتها الشهرية تراجعت بنسبة تقلّ عن 50 في المائة، و45.7 في المائة من المنشآت التجارية بينت أن مبيعاتها تراجعت بنسبة تزيد على النصف.
يفصّل المدير العام لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الفلسطينية إبراهيم القاضي لـ"العربي الجديد" طبيعة الركود، بالقول إن الركود في المواد الغذائية وصل إلى قرابة 25 في المائة، بينما في المواد الاستهلاكية الأخرى، كالملابس، فاق 50 في المائة، فيما توقفت قطاعات أخرى، كالفنادق وبعض المطاعم، حيث لا يستطيع الفلسطينيون من الأراضي المحتلة عام 1948 الوصول إلى الضفة الغربية، ولم يتمكن المغتربون من القدوم، وهم مرتادون مهمون لقطاع الخدمات والسياحة، فضلاً عن أرقام عالية للركود في محالّ الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.
تباين بين المحافظات
تأثرت كل المحافظات في الضفة الغربية نتيجة توقف عدد كبير من العمال عن العمل وانقطاع الرواتب، لكن عدداً من المحافظات تأثرت أكثر من غيرها، خصوصاً في شمال الضفة، كجنين وطولكرم وقلقيلية ونابلس، وشرقها كأريحا، لأنها تعتمد كثيراً على الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948، وفوق ذلك تعاني حصاراً وحواجز تحد الحركة منها وإليها، وَفق ما يؤكد إبراهيم القاضي.
أما رئيس نقابة تجار المواد الغذائية في الخليل، جنوبيّ الضفة الغربية وسيم الجعبري، فيقول لـ"العربي الجديد" إن المؤشرات لديه الناتجة من التواصل الدائم مع التجار وأصحاب السوبرماركت والمولات الكبيرة، تؤكد التراجع في الأسواق في القطاعات الأساسية، وهي المواد الغذائية لما يقارب 50 في المائة، وفي قطاعات أخرى تصل النسبة إلى 80 في المائة.
ويشير الجعبري إلى أن ذلك رصده منذ قرابة عشرة أيام، مؤكداً أن الوضع في الخليل، أكبر المحافظات الفلسطينية، يمكن سحبه على باقي المناطق، لكون تجار الخليل مصدراً لـ46 في المائة من حاجات السوق في الضفة للمواد الغذائية، ولديه تواصل مباشر مع التجار.
ويقول الجعبري إن المخزون لا يقلّ في كل الأصناف عن حاجة ثلاثة أشهر، ويصل في حالة الزيوت إلى قرابة سنة، مشيراً إلى أن التجار تعلموا من جائحة كورونا زيادة المخزون، تحسباً لأي طارئ. أما وزارة الاقتصاد، فتؤكد حول المخزون من المواد الغذائية بشكل خاص، أنه يكفي لأكثر من سبعة أشهر لمعظمها، ما عدا الدقيق، لكون مدة صلاحيته لا تتجاوز ستة أشهر.
ويشير القاضي إلى أن الوزارة اتفقت مع كبار المستوردين مع بداية العدوان، لتوريد أكبر كمية ممكنة، ويفسر ذلك الطلب من التجار، بسبب ما شهدته الأيام الأولى من العدوان من إغلاق عدد من الموانئ الإسرائيلية وإغلاق مؤقت لأخرى، وهي الموانئ التي يمكن للفلسطينيين الاستيراد عبرها، فضلاً عن قرب شهر رمضان المبارك، حيث كان السعي لإبقاء مخزون كافٍ، خصوصاً من المواد ذات مدة الصلاحية البعيدة، كالأرز والسكر والزيوت.
أما الدقيق والقمح، فما هو متوافر منهما، بحسب القاضي، يكفي لثلاثة أشهر أو أربعة فقط، نتيجة صلاحية الدقيق قصيرة المدة. أما تخزين القمح بكميات كبيرة، فهو لا يزال غير ممكن في الضفة، حيث إن مشروع صوامع القمح الذي أعلنت الحكومة تدشينه لن يكون جاهزاً قبل نهاية عام 2025.
معوقات مستمرة
ويبرز سبب آخر في وفرة المخزون، وهو تحويل الحاويات التي كانت مخصصة لقطاع غزة إلى الضفة الغربية، بسبب منع الاحتلال وصولها إلى هناك. وفي هذا الشأن، يقول وسيم الجعبري إن تجار الخليل استقبلوا تلك البضاعة الخاصة بزملائهم في غزة، التي كانت قد طُلبَت قبل الحرب، ولا تزال تصل إلى الموانئ، ليُخزَّن جزء منها لصالح تجار غزة، والآخر خصوصاً المواد ذات تاريخ الصلاحية القريب، يباع في أسواق الضفة.
ورغم ما سبق، ظهرت معوقات بعد الحرب على غزة، أبرزها تأخر وصول البواخر إلى الموانئ. فبحسب التاجر فيصل درس، العديد من البواخر ترفض التوجه إلى الموانئ الإسرائيلية خشية تداعيات الحرب، وما كان يحتاج إلى مدة تراوح بين 15 يوماً إلى 30 يوماً، أصبح بحاجة إلى مدة تراوح بين شهر ونصف إلى شهرين.
وتبرز كذلك معوقات الاحتلال بين المحافظات الفلسطينية، التي يحاصر بعضها، وتتقطع بالحواجز الإسرائيلية؛ حيث يقول إبراهيم القاضي: "نحن نعاني من صعوبة الحركة بين المحافظات في الضفة الغربية، وقد يكون هناك تأخير في إيصال الكميات إلى بعض المناطق".