لم يكن العثور على أضحية للحاجة فاطمة أمراً سهلاً في سوق المواشي بمعرة مصرين في إدلب، شمال غربي سورية، وهي التي ادخرت 250 دولاراً من تحويلات أبنائها العاملين في تركيا لتحقيق أمنيتها.
يقول زوجها الحاج عبد الرزاق اليوسف، لـ"العربي الجديد"، إنّ أسعار الماشية المرتفعة دفعته للبحث عن أصغر أضحية يمكن شراؤها بالمبلغ الذي تملكه زوجته.
وتابع اليوسف أنه "بحسب الأسعار التي شاهدتها في السوق لا يمكن الحصول على خروف جيد بسعر أقل من 275 دولاراً، وهو ما دفع كثيرين مثلي للبحث عن إناث الغنم وشرائها من الآن خوفاً من ارتفاع الأسعار أكثر مع اقتراب عيد الأضحى".
وفي سوق المواشي، غربي إدلب، يمكن للزائر أن يشاهد أضاحي من الجِمال، والبقر، والماعز، والأغنام، "إلا أنّ الأعداد المعروضة لا تزال دون المتوقع مقارنة مع الفترة نفسها من كل عام"، بحسب مصطفى الخالد، الذي اعتاد على شراء الأضاحي لأقاربه في كل عام.
يقول الخالد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "عملي بتربية المواشي لفترة من الزمن أعطاني خبرة جيدة في أنواع المواشي وأفضلها، وهو ما يدفع أقاربي للاستعانة بخبرتي حين يرغب أحدهم بشراء أي خروف سواء للتربية أو للذبح". وأضاف أنّ "خبرتي لم تسعفني حتى اللحظة بالعثور على ذبيحتين بأسعار مناسبة بسبب قلة الأعداد المعروضة في السوق".
وأشار إلى أنّ "هناك علاقة غير مباشرة بين أسعار العلف والأغنام، فحين ترتفع أسعار الأعلاف يبيع المربون المواشي بسعر منخفض هرباً من كلفة تربيتها، أما في حال انخفاض سعر العلف، فإنّ أسعار المواشي ترتفع لاحتفاظ المربين بها لتسمينها وبيعها بسعر أعلى".
وأكد أنّ "هذا ما يحدث حالياً، حيث انخفضت أسعار الأعلاف فارتفعت أسعار المواشي".
من جانبه، يقول عبد الله الإبراهيم، وهو تاجر ماشية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أسواق المواشي تشهد ارتفاعاً في الأسعار منذ أشهر لكن إقبال الناس على الشراء مع اقتراب عيد الأضحى ساهم في رفعها أكثر نتيجة قلة العرض وكثرة الطلب".
ويتابع الإبراهيم "يعتبر سعر الخراف الأعلى، إذ يراوح سعر الكيلوغرام اليوم ما بين 4.3 و4.65 دولارات بحسب وزن الخروف، بينما يراوح سعر كيلوغرام أنثى الغنم ما بين 3.15 و3.25 دولارات، وبلغ سعر لحم العجل 3.65 دولارات، والبقر 3.25، بينما بِيع كيلوغرام الجمل بـ4 دولارات".
وأضاف الإبراهيم أنّ "أصغر خروف يمكن أن يبلغ سعره اليوم 235 دولاراً، لكن الأهالي لا يرغبون بهذا الحجم من الخراف، لأنّ نسبة اللحم فيها تكون منخفضة على حساب العظم، أما الخروف المتوسط والذي يكون الأكثر مبيعاً فيبلغ وزنه نحو 60 كيلوغراماً ويتجاوز ثمنه 280 دولاراً، وهو أعلى من سعر العام الماضي بنحو 100 دولار".
من جانبه، يقول مربي الماشية سعيد زينو، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التهريب خارج المنطقة وقلة الأعداد المتبقية تلعب دوراً كبيراً في ارتفاع السعر".
وأضاف أنّ "عدداً من المربين باعوا جزءاً كبيراً من مواشيهم سنة 2021 بسبب ارتفاع سعر التبن والعلف بشكل كبير ما أدى لخسارة المنطقة أعداداً هائلة من الماشية نتيجة بيعها لمناطق النظام أو نتيجة الذبح للبيع في الأسواق، والأعداد التي خسرتها المنطقة في تلك الفترة تحتاج سنوات لتعديلها".
ويتابع زينو "في العام الجاري انخفض سعر التبن بشكل كبير ما شجع المربين على الاحتفاظ بمواشيهم لأطول فترة ممكنة، كون التبن غذاءً رئيسياً في تربية المواشي وسعره يحدد الآلية التي يجب أن يتعامل بها المربي في تجارته".
وتقدر الجهات الحكومية أعداد المواشي الموجودة في شمال غرب سورية بنحو 500 ألف رأس، وهو رقم منخفض مقارنة بعدد السكان، إذ تحتاج المنطقة لنحو أربع ملايين رأس، حسب التقديرات العالمية.
في سوق المواشي بكفر جالس، شمالي إدلب، يحتدم النقاش بين أحد الزبائن وأحد المربين، يتصافحان ويبدآن "بازار" الكباش الذي يدور بينهما بحضور تجار من السوق وزبائن آخرين.
ترتفع أصواتهما مع اهتزاز مستمر لليدين المتصافحتين، وهي حركة معروفة لدى تجار السوق في كناية على الجدية بالدفع والبيع، وتنتهي الحركة بانتهاء البازار سواء تمت الصفقة أم لم تتم.
يتمسك الحاج أبو محمد، صاحب "الكبش"، بالسعر الذي طلبه 400 دولار بينما يحاول الزبون تحصيل الذبيحة بسعر 350 دولاراً، يطول النقاش لفترة من الزمن قبل أن يفشل ويمضي الزبون بحثاً عن خروف آخر.
يقول أبو محمد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذا الكبش يستحق هذا السعر، فوزنه يتجاوز التسعين كيلوغراماً وهو سليم معافى تنطبق عليه كامل شروط الأضحية، وفي الوقت ذاته يمكن استعماله للتربية وتكاثر الأغنام كونه من النوع الجيد، وهو ما يدفعني للتمسك بسعره مع يقيني بأنني سأنال مطلبي قريباً".
يسعى بعض المواطنين لشراء أضحية العيد من الآن خوفاً من ارتفاع الأسعار حين تبدأ المنظمات بشراء أضاحي العيد حيث يتضاعف الإقبال على السوق، بينما يضطر آخرون لانتظار وصول تحويلاتهم المالية من خارج البلاد كما جرت العادة، حيث يرغب بعض السوريين المهجرين في دول أوروبا والخليج بتكليف أحد أقاربهم بذبح أضحية بالنيابة عنه في مناطق إدلب كنوع من المساعدة للأهالي الذين يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة.