يتصدر في العراق منذ أيام، جدل حول قضية كيف ستدير الحكومة الوفرة المالية المتحققة لديها من قفزات أسعار النفط؟ وتأتي الإجابة بين مطالبات بإعادة إطلاق المشاريع المتوقفة والملغاة المتعلقة بالبنى التحتية مثل الجسور والمستشفيات والمدارس، ودعوة آخرين لتأسيس صندوق سيادي، بينما يؤكد فريق ثالث بأن الوفرة الحالية ستتمكن من سد العجز المتوقع بموازنة العام الحالي 2022، وتغني العراق عن الاقتراض الداخلي أو الخارجي.
وخلال الأيام الماضية استضاف البرلمان في بغداد وزير المالية علي علاوي، وعددا من المسؤولين في الوزارة، لبحث الوضع المالي للبلاد، وإمكانية إعادة سعر صرف الدينار العراقي إلى ما كان عليه سابقا قبل الأزمة المالية 2020، بواقع 1200 دينار للدولار، بدلا من السعر الحالي (1450 دينارا).
والجمعة الماضية، أعلن وزير النفط العراقي، إحسان عبد الجبار، عن تحقيق بلاده أعلى إيرادات مالية شهرية عن بيع النفط منذ ما يزيد عن ثماني سنوات، بلغت أكثر من 8.5 مليارات دولار.
وأضاف: "حققنا أعلى عائدات مالية شهرية من تصدير النفط الخام منذ ثماني سنوات، وأعلى معدل تصدير منذ سنتين".
فيما قالت شركة تسويق النفط العراقية القابضة "سومو"، في بيان لها، إنها حققت معدل تصدير مرتفع في شهر فبراير/ شباط الماضي، وعائدات مالية قياسية.
مستشار الحكومة العراقية، مظهر محمد صالح، وصف ارتفاع أسعار النفط، بأنها "فرصة تاريخية"، للاستفادة من العائدات الإيجابية الناتجة عنها في تطوير عملية الاستثمار، فضلاً عن تطوير الإمكانيات الذاتية للبلد، وإنتاج ما يمكن إنتاجه من خلال ارتفاع أسعار النفط وتسخيرها لمصلحة النمو الاقتصادي.
وأضاف صالح في تصريحات للصحافيين ببغداد، أن المنفعة ستكون أكبر في حال تمت دراسة الأمور الإدارية والمالية الاقتصادية بصورة صحيحة، مطالباً بالعمل على تغيير سعر برميل النفط في موازنة 2022، من 50 دولارا للبرميل إلى 70".
وأشار صالح إلى أن الحرب بين أوكرانيا وروسيا ليست بعيدة عن العراق، ولها آثار إيجابية تصب في المصلحة المالية للعراق، بسبب ارتفاع إيرادات النفط، لأن أوبك، قد ترفع القيود عن تصدير النفط بسبب النقص الحاصل في الطاقة عالمياً.
وفي المقابل، قال عضو لجنة الطاقة في البرلمان العراقي السابق، غالب محمد، إن العراق يعتمد بنسبة أكثر من 92 بالمائة من إيراداته على عائدات النفط، وارتفاع الأسعار الحالي سيؤثر بشكل إيجابي على البلاد، لأنه سيعزز تدفق الأموال لموازنة البلد ويقلل من مستويات العجز الذي كانت تواجه الموازنة.
لكن محمد أشار في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن العراق يحتاج إلى 4000 متر مكعب من الغاز يومياً، فضلاً عن حاجته لأكثر من 22 مليون لتر من مادة البنزين، ويستورد المشتقات النفطية بقيمة 5 مليارات دولار سنويا، من بينها نحو 3.5 مليارات دولار لاستيراد البنزين والديزل، مما قد يزيد من نسبة الموجات التضخمية على الاقتصاد الوطني.
وانتقد محمد دور الحكومة في مواجهة التأثير السلبي لارتفاع أسعار النفط، وعدم وجود تخطيط صحيح يجنب البلاد مشكلة استيراد الغاز الطبيعي والوقود من الخارج، والذي يكلف الدولة أموالاً طائلة ينعكس تأثيرها على المواطن.
ومن جهته، قلل المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى، من تأثير ارتفاع أسعار النفط والطاقة عالمياً على أسعار الغاز المستورد، مؤكداً أنها لم تؤثر تأثيرا مباشرا على العراق، بسبب قلة إمدادات الغاز المستورد من إيران، وأن العقود بين البلدين تخضع لرقابة دولية ومحددة السعر ثابت.
وبين موسى لـ"العربي الجديد"، أن العراق كان يستورد 70 مليون متر مكعب من الغاز يوميا في فصل الصيف و50 مليون متر مكعب في الشتاء، إلا أن هذه الكمية انخفضت إلى 8 ملايين متر مكعب يوميا في الأشهر الأخيرة، مما يجعل التأثير نسبيا ولا يدعو للقلق على حد وصفه.
أما الخبير الاقتصادي علاء جلوب، فتوقع أن يكون لارتفاع أسعار النفط انعكاسات سلبية على العراقيين وخاصة فيما تتعلق بارتفاع أسعار الوقود الذي سيرهق المستهلك.
وأضاف جلوب لـ"العربي الجديد"، أن اعتماد العراق على الاستيراد خلف الكثير من المشاكل التي جعلته ضعيفاً في مواجهة التحديات الاقتصادية الدولية، وغير قادر على معالجة التضخم الحاصل في المستوى العام للأسعار، مما يتطلب تخطيطاً وعملاً جاداً وشاملاً لمواجهة هذه التحديات.