أثار تسجيل معدل التضخم في عُمان ارتفاعاً بـ 0.69% على أساس سنوي، بنهاية يونيو/حزيران الماضي، تساؤلات المراقبين بشأن تأثير ذلك، إيجاباً أو سلباً، في اقتصاد السلطنة، خاصة في ظل مؤشرات عديدة على زيادة كبيرة في عوائد الإنتاج النفطي.
ووفق ما أظهرته بيانات المسح الشهري لأسعار المواد الاستهلاكية، الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فإن معدل التضخم جاء مدفوعاً بارتفاع معظم المجموعات الرئيسة المكونة للرقم القياسي لأسعار المستهلكين، وأسعار مجموعة المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 2.18% جراء ارتفاع أسعار معظم مكونات المجموعة، وعلى رأسها الحليب والجبن والبيض بـ9.78%، والأسماك والأغذية البحرية بنسبة 5.19%، والزيوت والدهون بنسبة 4.81%، والفواكه بـ4.3% والمواد الغذائية الأخرى بـ3.91%، فيما انخفضت أسعار اللحوم بـ0.12% والخضراوات بـ5.65%.
وسجلت البريمي أعلى معدل تضخم بين المحافظات العمانية بـ1.3%، مقابل أدنى معدل تضخم بمحافظتي شمال الشرقية وجنوب الشرقية بنسبة 0.2%.
القيمة المضافة
ويشير الخبير الاقتصادي العماني، خلفان الطوقي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن قرار رفع ضريبة القيمة المضافة عن 488 سلعة أساسية كان له أثر مهم في الوصول إلى نسبة التضخم المحدودة، مشيراً إلى أن حكومة السلطنة كانت واعية مبكراً لآثار الحرب الروسية الأوكرانية، ولذا تبنّت إجراءات لدعم المزارعين، ساهمت في تقليل أسعار كثير من منتجاتهم.
ويوضح الطوقي أن الدعم الحكومي شمل الطحين، وبعض المحاصيل الزراعية، فضلاً عن شراء الحكومة المحاصيل من بعض المصدرين والمزارعين في أوروبا وأستراليا بشكل مباشر، وذلك لتأمين لوجستيات الاستيراد، وضمان وصول المنتجات الزراعية إلى الأسواق المحلية بأسعار مناسبة.
كما ساهمت الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا في قدرة الحكومة العمانية على التحكم بالتضخم، وعلى رأسها عودة عدد كبير من العاملين الوافدين إلى بلدانهم، وبالتالي تقليل نسبة تحويل الأموال إلى الخارج، وزيادة القدرة الشرائية في الداخل، بحسب الطوقي.
ويشير الخبير العماني إلى أن السلطنة تمر حالياً بمرحلة التعافي مما تبقى من آثار الجائحة، إذ لم تعد القوة الشرائية إلى عهدها السابق بشكل كامل، إضافة إلى تحقيق عائدات النفط والغاز فوائض مالية، ساعدت في مبادرات تقلل من التضخم.
أسعار الفائدة
ويشير الخبير الاقتصادي الأردني، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن أسعار الفائدة ذات تأثير مهم في انخفاض التضخم بعمان إلى أقل من 1%، وذلك جاء بعد أن حققت السلطنة نمواً بالناتج المحلي الإجمالي، في العام الماضي، بلغ 4.3%.
ويوضح الشوبكي أن التوقعات تؤشر إلى أن نمو الاقتصاد العماني لن يتجاوز 1.3% في العام الجاري، لافتاً إلى الزيادة في أسعار الفائدة، حيث اضطر البنك المركز العماني إلى مجاراة مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي، ما أدى إلى خفض السيولة في السوق.
ولذا يستند الشوبكي إلى بيانات صندوق النقد الدولي في توقع نمو اقتصادي خجول لسلطنة عمان في العام المقبل أيضاً (2024) وبنسبة تقارب الـ 2.7%، ومع ذلك يشير إلى أن الحكومة العمانية توازن بين المخاطر على الاقتصاد وبين الإيرادات الاستثنائية من زيادة إنتاج النفط وارتفاع الأسعار، ما جعل الاقتصاد العماني متماسكاً هذا العام.
ويلفت الخبير الأردني، في هذا الصدد، إلى أن اقتصاد السلطنة حقق طفرة في العام الماضي (2022)، بعد سنوات عدة من العجز في الموازنة العامة، إذ سجل فائضاً في الموازنة بقرابة 7.5% من الناتج المحلي، الذي بلغ 114 مليار دولار، وهي قيمة غير مسبوقة.
ويضيف الشوبكي أن السلطنة نجحت في تقليص حجم الدين العام، الذي كان يمثل 61% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الماضي، إلى قرابة 40% من الناتج المحلي الإجمالي، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه تحسين الوضع المالي للسلطنة، ودفع الكثير من مؤسسات التقييم المالي أو التصنيف الائتماني، مثل "فيتش" و"ستاندرد آند بورز" و"موديز"، إلى تحسين ترتيبها.
ويرى الخبير الأردني أن هذه المؤشرات جيدة، وأقل تشاؤماً من العديد من الاقتصادات الخليجية الأخرى، التي ستعاني في العامين، الجاري والقادم، ومع ذلك ينوه بأن انخفاض التضخم إلى أقل من 1% يعكس "قلة في السيولة بالسوق وقلة الأعمال". وإزاء ذلك، فإن تضخماً كهذا قد يكون سبباً رئيسياً، في الوقت ذاته، بتوقعات النمو المتواضع للاقتصاد العماني، العام الجاري.