قفزة مالية كبيرة تشهدها الكويت على خلفية ارتفاع أسعار النفط عن مستوى ما قبل قرار خفض الإنتاج الطوعي لأعضاء تكتل "أوبك+"، حتى بعد اتجاه الأسعار للانخفاض مؤخراً، ما ظهرت آثاره بسرعة على تحقيق فائض مالي في العام المالي 2022-2023 لأول مرة بعد 8 سنوات من العجز المتواصل.
واستند الفائض إلى متوسط السعر المعلن لبيع النفط المنتج في الكويت على مدار العام المالي، وهو 98.08 دولاراً للبرميل، بما يزيد على السعر المقدر في الموازنة العامة الكويتية (80.4 دولاراً للبرميل) بحسب البيانات الصادرة عن وزارة المالية.
وتجاوزت الإيرادات النفطية المحققة نظيرتها المقدّرة بنحو 8.4 مليارات دينار (27.4 مليار دولار)، لتصل إلى 29.7 مليار دينار (نحو 98 مليار دولار) مقارنة بنحو 21.3 مليار دينار في مشروع الموازنة.
وتبدأ السنة المالية في الكويت مطلع إبريل/ نيسان من كل عام، وتنتهي في 31 مارس/ آذار من العام التالي.
وتستحوذ إيرادات النفط الخام والمشتقات على نحو 88% من إجمالي الدخل خلال السنة المالية المقبلة (2023-2024)، بحسب وزارة المالية الكويتية، وبقيمة 17.17 مليار دينار (56.8 مليار دولار).
وبلغ إنتاج النفط في الكويت، في فبراير/ شباط الماضي، 2.68 مليون برميل يومياً، بانخفاض هامشي 11 ألف برميل يومياً عن الشهر السابق، فيما أعلن وزير النفط، بدر الملا، في إبريل/ نيسان الماضي أن "الكويت تخفض طوعياً إنتاجها بمقدار 128 ألف برميل يومياً من مايو/ أيار حتى نهاية 2023".
وجاء الإعلان الكويتي بالتوازي مع إعلان السعودية خفضاً طوعياً لإنتاج النفط بمقدار 200 ألف برميل يومياً خلال الفترة ذاتها، فيما بدا سياسة منسقة بين أعضاء تكتل منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها "أوبك+".
تعادل الميزانية
واعتبر المحلل الاقتصادي، علي العنزي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "عملية خفض الإنتاج مفيدة لدول التكتل من حيث الفوائض المالية، إذ يؤدي خفض الإنتاج مباشرة إلى ارتفاع بالأسعار".
"ورغم أن مستوى خفض الإنتاج يؤثر على الدول المنتجة والمصدرة للنفط، لكن حجم هذا الأثر يبقى أقل من حجم الزيادة في الأسعار"، بحسب العنزي، الذي أشار إلى "3 عوامل مهمة تحدد تأثير النفط في الميزانية الكويتية، وهي: سعر البرميل، وكمية الإنتاج، وسعر صرف الدولار".
وحسب العنزي فإن "هذه العوامل الثلاثة مهمة في تكوين سعر التعادل للميزانية، وهو الوضع الذي يكون فيه الإنفاق متساوياً تماماً مع الإيرادات، بما يعني عدم وجود عجز في الميزانية".
ويرى العنزي أنه "خلال الفترات الماضية دائماً ما غطت زيادة سعر النفط خسارة خفض الإنتاج وزادت عليها"، مشيراً إلى أن "ارتفاع سعر النفط ممتاز للكويت، حتى مع خفض الإنتاج بمقدار 200 ألف برميل يومياً، إذ يغطي الارتفاع في سعر البرميل لبقية الإنتاج ما يزيد على إيراد الـ 200 ألف برميل بأسعار ما قبل الارتفاع".
تعزيز المالية
ويشير الخبير الاقتصادي محمد رمضان إلى أن "الكويت خفضت إنتاجها بما يقل قليلاً عن 5%، فيما بلغت نسبة ارتفاع أسعار النفط، بمجرد الإعلان عن التخفيض الطوعي للإنتاج أكثر من 10%، ما يعني أن الكويت رابحة من خفض الإنتاج".
وأشار في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن "أسعار النفط حساسة جداً لأي تخفيض، وبالتالي فإن تخفيض الإنتاج الطوعي الأخير من شأنه أن يرفع الإيرادات بقدر أكبر من خسارة البراميل غير المنتجة أو غير المصدرة، وهي اللعبة التي يراهن عليها أوبك+".
ورغم أن رمضان يرى أن "انعكاس ذلك على الاقتصاد الكويتي يظل محدوداً، إذ يرتبط أداء الاقتصاد في الدولة الخليجية بعوامل داخلية أخرى، بعضها لا يقدم مؤشرات جيدة"، إلا أنه يؤكد أن "انعكاس ارتفاع أسعار النفط سيكون ذا مردود جيد على المالية العامة للدولة".
ويوضح رمضان أن "تعزيز المالية العامة للدولة لا يعني بالضرورة التأثير الإيجابي على مجمل الاقتصاد ومستقبله بشكل كبير، خاصة أن زيادة الإيرادات لا تزال قليلة، غير أنه يسهل قيام الدولة بالوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين وغيرها من التزامات الإنفاق العام".
ويرى رمضان أن "تنمية الاقتصاد شأن آخر، يرتبط بمجالات الإنفاق الحكومي بالأساس، وهو ما لم يحدث في الكويت كما جرى في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى".