يدفع المواطنون في كل من اليمن وليبيا والسودان ثمن الصراعات التي يقودها مسلحون، ما أدى إلى تدهور اقتصادات هذه الدول، وانعكس ذلك معيشياً على الشعوب.
وساهم الصراع المسلح في اليمن في تكوين مليشيات وأمراء حرب وتجار وطبقة ثرية تضخمت بفعل السوق السوداء للوقود والكهرباء والعملة والجبايات والموارد العامة وإيرادات غاز الطهو والمشتقات النفطية، في حين وضع التحالف يده على محافظات جنوب اليمن وخصوصا الإمارات بعد ما عملت على دعم إنشاء عشرات التشكيلات العسكرية التي استخدمتها في اختطاف خمسة موانئ وجزر ومضائق مائية مثل أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون ومضيق باب المندب.
تفتيت ثروات اليمن
في الوقت الذي تقوم فيه قوى نافذة شريكة للحكومة اليمنية بالعمل على وضع يدها على إيرادات عامة محلية في عدن وتعز والمخا بعد تشغيل مينائها الاستراتيجي، يبرز الحوثيون في شمال اليمن كأهم قوى نافذة تتحكم في كل ما تحت يدها من رقعة جغرافية منها العاصمة اليمنية ومؤسسات الدولة التي تتواجد فيها ومنها البنك المركزي، إضافة إلى تحصيل الإتاوات الجمركية في مينائي الحديدة والصليف، وإيرادات جمركية إضافية في منافذ برية عديدة مثل عفار في محافظة البيضاء وسط اليمن.
في السياق، يشير الباحث الاقتصادي، عبد الواحد العوبلي، إلى جماعة الحوثي كمثال على ما يحدث في اليمن من عبث ونهب للموارد العامة، ويجد أن الحوثيين حريصون على استمرار الحرب ليس من أجل السيادة أو الانتصار أو الأوهام التي يروجونها لتابعيهم، بل من أجل ما سيطروا عليه من مليارات الدولارات من إيرادات الدولة، مما جعلهم أكبر الحريصين على استمرار هذه الحرب مهما كلف ذلك من دماء اليمنيين.
ويتطرق العوبلي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى منافذ النهب التي تم اتباعها بدءا بالاحتياطي النقدي المقدر بخمسة مليارات دولار الذي تم نهبه بداية انقلابهم على الدولة اليمنية، واستناداً إلى تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، يحصل الحوثيون على أموال من الجبايات والزكاة تزيد على 1.3 مليار دولار سنوياً، وربما أكثر من ذلك لأن بند الضرائب والجمارك والرسوم يصل إلى أكثر من 34% من إجمالي حجم الإيرادات حسب أرقام الموازنة العامة للدولة للعام 2014.
ويستولي مسؤولون محليون وفق تقارير دولية في محافظات اليمن الشرقية على الأموال المحصلة من بيع الغاز وتحصيل الرسوم الجمركية في موانئ ومعابر المهرة في غياب أي رقابة حكومية.
ويؤكد الباحث الاقتصادي، مراد منصور لـ"العربي الجديد"، أن التشكيلات العسكرية التي تدعمها الإمارات بدأت مؤخراً خطوات وإجراءات واسعة لتطبيع وجودها على الأرض من خلال وضع يدها على القنوات الإيرادية العامة بعد ما استلهمت تجربة الحوثيين في تأسيس قواعد إدارة الأموال والعائدات التي يتم الاستيلاء عليها والتي يتم تسييلها في قطاعات العقارات والأراضي والصرافة.
عسكرة اقتصاد ليبيا
برزت المليشيات المسلحة في ليبيا خلال الحروب المتتالية في السنوات العشر الماضية، للحفاظ على مكاسبها وأرباحها ونفودها تماشيا مع الأوضاع السياسية غير المستقرة بالبلاد، وصفها مراقبون بانها عملية "عسكرة للاقتصاد"، رغم المصالحات التي تمت خلال الفترة الأخيرة.
وكشفت ثلاثة مصادر حكومية أحدها في المصرف المركزي والأخر بحكومة الوحدة الوطنية والثالث بهيئة الرقابة الإدارية لـ"العربي الجديد" أن المجموعات المسلحة تتدخل بشكل مباشر في العمل اليومي للحقائب الاقتصادية، مع فرض إملاءات بشأن تعيين حلفاء لها في مناصب حكومية وسفراء بالخارج فضلا عن استخدام أسلوب الابتزاز من أجل الحصول على الأموال أو الحصول على وظائف حكومية.
وتشير التقديرات إلى أن عدد المليشيات المسلحة في ليبيا يصل إلى أكثر من 300 مجموعة مختلفة التسليح والأعداد. وصف المحلل الاقتصادي، أبو بكر الهادي، الوضع في ليبيا بـ"عسكرة الاقتصاد" إذ إن القطاعات الاقتصادية ولا سيما النفط الليبي تحت سيطرة مجموعات مسلحة منذ عام 2011.
وأوضح أن شرق ليبيا تحت سيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهي التي تقوم بنشاطات والتدخل في الاستثمارات المختلفة، وتسيطر على معظم حقول النفط.
ومن جانبه أكد المحلل المالي، محسن قرضاب، لـ"العربي الجديد" أن المليشيات المسلحة ينشط ظهورها في جميع مفاصل الدولة.
وخلال جلسة لمجلس النواب بشأن مناقشة مشروع الموازنة العامة سال أعضاء مجلس النواب حول وضع أموال المجموعات المسلحة خارج نطاق وزارتي الداخلية والدفاع. ودارت مناقشات حول المخصصات المالية في الموازنة للمليشيات التابعة لحفتر.
وشهد الاقتصاد غير الرسمي نموا خلال السنوات الأخيرة، وقدره محافظ مصرف ليبيا المركزي بـ60% فيما يرى مركز أويا للدراسات الاقتصادية أنه يتجاوز 85%.
وانعكست سيطرة المليشيات على الأسواق والمواطنين، حيث تفاقمت الأوضاع المعيشية وسادت موجات غلاء متتالية معظم السلع والخدمات.
"بؤر" تهدّد الاقتصاد السوداني
تمارس أغلب المليشيات في السودان أنشطة متنوعة سيما في النفط والحدود والتجارة والذهب، ما ساهم في زيادة معاناة المواطنين من البطالة والفقر.
يقول الخبير الاقتصادي، محمد النيل، إن غياب الحكم الرشيد والإدارة النزيهة للدولة يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي وتدهور الاقتصاد وبالتالي يقود ذلك إلى النزاعات وتفكك الدولة.
ويبين أن المليشيات في السودان تعتمد على حصائل ما تنهبه من ثروات البلاد التي تنشط فيها لدعم قواتها وتسليحها فتصبح جسما طفيليا يعيش على مقدرات الدولة، ومن ضمن تمويل قواتها الاعتماد على جبايات تفرضها على سكان المنطقة التي لا تصل إليها هيبة الدولة وسيادتها كما يحدث الآن في ولاية جنوب كردفان.
أما المحلل الاقتصادي، الفاتح عثمان محجوب، فيقول إنه من المهم التدقيق في المصطلحات بالسودان، على سبيل المثال وجدت المليشيات ضمن ما يسمى بالقوات الصديقة الجنوبية وايضا المليشيات العربية التي تنتمي لقبائل حدودية مع دولة جنوب السودان، بيد أنه ومع بداية عمليات استيعاب الحركات المسلحة في الجيش السوداني يكون السودان تقريبا خاليا من المليشيات المسلحة عدا حركتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور.
ويعتبر محجوب في حديثه لـ"العربي الجديد" أن حركة الحلو الموجودة في جنوب كردفان الجهة الأكثر سيطرة على مناجم الذهب في جنوب كردفان وهي لذلك غير راغبة في التوصل إلى سلام يحرمها من مناجم الذهب بحجة أنها ثروة قومية.
ومن المليشيات التي أثرت على اقتصاد السودان قوات "الدعم السريع" إذ أشارت تقارير عدة سابقة إلى أنها تسعى للتربح على حساب الشعب السوداني باشتغالها في عمليات التنقيب عن الذهب عبر شركة تملكها أسرة النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وقامت بالاستيلاء على سبائك الذهب المقدرة بملايين الدولارات.