في الوقت الذي يتم فيه التركيز على تهاوي العملة واضطرابها المتواصل مؤخراً في اليمن، تعاني قطاعات اقتصادية أخرى من أضرار بالغة وانحدار كارثي من دون أي التفات أو اهتمام من الجهات الحكومية المختصة رغم التأثير الكبير لهذه القطاعات على الأوضاع المعيشية والإنسانية.
وسجل اليمن أكبر عجز في الميزان التجاري منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد قبل نحو سبع سنوات، إذ وصل إلى 7.8 مليارات دولار وفق بيانات رسمية لعام 2020، والتي تتوقع أن يتجاوز العجز 10 مليارات دولار لعام 2021.
وحسب تقرير اقتصادي رسمي اطلعت عليه "العربي الجديد"، فقد بلغ إجمالي الصادرات اليمنية عام 2020 نحو 1.2 مليار دولار، في مقابل 8.9 مليارات دولار إجمالي واردات اليمن لنفس العام.
ويعتمد الاقتصاد اليمني على الواردات السلعية من الخارج والتي تغطي قرابة 90 إلى 95% من الاستهلاك المحلي، وفق بيانات رسمية.
وبلغ متوسط معدل النمو السنوي للتجارة الخارجية خلال سنوات الحرب التي اندلعت في عام 2015 حوالي -1.1%، بينما سجل الناتج المحلي الإجمالي متوسط نمو قدره -2.0%.
ظروف استثنائية وعراقيل
خلال السنوات الماضية واجه قطاع التجارة الخارجية في اليمن ظروفاً استثنائية وصعبة، فإلى جانب التداعيات السلبية الكبيرة لجائحة كورونا والتي حدت من الحركة التجارية العالمية، يعاني اليمن من تداعيات الحرب وما نجم عنها من تعرض العديد من البنى التحتية للتدمير.
ويأتي ذلك بالإضافة إلى إغلاق العديد من المنافذ البحرية والبرية والجوية وظهور العديد من الصعوبات والتعقيدات على الحركة التجارية فيها وتأخر دخول وتخليص السفن والشحنات الواردة، وكذا شح النقد الأجنبي اللازم لتغطية تكاليف الواردات.
ويأتي ذلك فضلاً عن تراجع القدرة الشرائية والاستهلاكية والإنتاجية لليمنيين، إلى جانب مجموعة من الصعوبات والتحديات الأخرى من ضمنها تأثر إنتاجية النفط وتراجع كميات وقيمة الصادرات اليمنية إلى الخارج، بالإضافة إلى الصعوبات والتحديات التي تواجه الصادرات السلعية.
أسباب التراجع
يرجع تقرير اقتصادي رسمي التراجع الحاصل في التجارة الخارجية لليمن إلى مجموعة من العوامل أهمها محدودية السلع والخدمات اليمنية القابلة للتجارة الخارجية إذ تغلب الصادرات النفطية ومشتقاتها على هيكل الصادرات، ونتيجة لتوقف إنتاج النفط في مختلف القطاعات اليمنية المنتجة فقد تراجعت وتوقفت كمية الصادرات طوال السنوات الماضية، فضلاً عن توقف التصدير من منشأة بلحاف لتصدير الغاز الطبيعي المسال وميناء الضبة النفطي في محافظة شبوة جنوب اليمن.
كما ساهمت التعقيدات في المنافذ المرتبطة بالحركة التجارية في عرقلة نفاذ المنتجات اليمنية إلى الأسواق الإقليمية والدولية، مع العلم أن بقية الصادرات اليمنية بخلاف النفطية والغازية عبارة عن أسماك ومنتجات زراعية طازجة تتطلب مناقلة خاصة وسريعة، إضافة إلى عدم إغفال عامل أخر مؤثر يتمثل بالانتشار الكثيف للنقاط الأمنية بين مناطق الإنتاج وموانئ التصدير وعرقلتها لتصدير العديد من المنتجات وصعوبة التنبؤ بكميات وجدولة الشحنات المراد تصديرها، حسب التقرير الرسمي.
اختلال طبيعي
يقول رئيس الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية محمد قفلة في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الاختلال الراهن في الميزان التجاري لليمن وتوسع العجز أمر طبيعي في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها اليمن بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2015.
ويتحدث عن الحصار الذي يواجه الصادرات اليمنية للخارج وتوقف مطار صنعاء وميناء الحديدة والإجراءات المعقدة في المنافذ البرية، ناهيك عن الارتفاع الحاصل في تكاليف الاستيراد وانعكاس ذلك على ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية في اليمن.
ويتطرق قفلة إلى الاختلال الحاصل في العملية التجارية بشكل عام وزيادة قيمة الواردات والتي تعد أكثر من الصادرات، ما يؤدي إلى استنزاف العملة الصعبة وارتفاع التضخم.
وسجل الميزان التجاري عجزاً مستمراً ومتقلباً في اليمن بين الارتفاع والانخفاض النسبي خلال العشر سنوات الماضية، حيث سجل الميزان التجاري عجزاً بلغ نحو 4.2 مليارات دولار عام 2012 و6.1 مليارات عام 2015، ثم بلغ ذروته ليحقق عجزاً كبيراً خلال العامين الماضين بوصوله إلى أكثر من 7 مليارات دولار العام قبل الماضي.
توقف الصادرات النفطية
ويرى الخبير في مركز تنمية الصادرات اليمنية، هيثم العزاني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تدهور القطاع التجاري وما يواجهه من صعوبات انعكسا بشكل سلبي على اليمنيين بشكل عام، مشيراً إلى أن توسع العجز في الميزان التجاري، يرجع إلى توقف الصادرات النفطية والغازية التي كان يرتكز عليها الاقتصاد اليمني بنسبة كبيرة عوضاً عن بقية القطاعات الإنتاجية والصادرات الأخرى.
وتعد صادرات النفط والغاز أهم روافد العملة الصعبة اللازمة لتغذية الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي وتمويل الواردات السلعية ودعم استقرار سعر الصرف حيث شكلت أكثر من 80% من إجمالي الصادرات السلعية قبل الحرب الجارية في البلاد قبل نحو سبعة أعوام.
ومنذ بداية شهر إبريل/ نيسان 2015، توقف تصدير النفط الخام والغاز الطبيعي المسال باستثناء تصدير كميات محدودة، مما ساهم بقوة في تقليص تدفق النقد الأجنبي إلى البلاد وتدهور العملة الوطنية.
وبسبب تعقيدات الوضع العام في اليمن والذي انعكس سلباً على إنتاج وتصدير النفط، إذ انخفضت قيمة الصادرات بشكل كبير من حوالي 2.4 مليار دولار عام 2014، لتصل إلى أدنى مستوياتها في العام 2015، مسجلةً 0.5 مليار دولار.
وسعت جهات حكومية في اليمن خلال السنوات الماضية إلى معاودة العمل والإنتاج والتكيف مع الظروف الحالية والتحديات المستجدة، والتي أدت إلى استعادة جزء من الصادرات في الأعوام الماضية لكن بنسب ضئيلة غير مؤثرة في التجارة الخارجية لليمن.
وكانت زيادة العجز التجاري أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى تهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، إذ تخطى سعر الدولار 1200 ريال في العاصمة المؤقتة عدن بداية الأسبوع الجاري ليصل لأدنى مستوى له منذ نحو شهر، وسط مخاوف من عودة موجة الغلاء وارتفاع أسعار السلع الغذائية.