- الحكومة المصرية ردت على الأزمة بتعويم العملة ورفع أسعار الفائدة، وتأمين قرض جديد من صندوق النقد الدولي، جاذبةً بذلك استثمارات دولية.
- تظل هناك مخاوف حول قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والحفاظ على استقرار العملة، مع تساؤلات حول التأثيرات المحتملة على الاستقرار الاجتماعي والمكانة الإقليمية.
طرحت شبكة "بلومبيرغ" الأميركية 7 تساؤلات عن اتجاهات الاقتصاد المصري بعدما تجنب الانهيار حاليا نتيجة إغداق القروض والتمويلات عليه.
ففي غضون أسابيع قليلة في مارس/آذار الجاري، خرجت مصر من أسوأ أزمة عملة تشهدها منذ عقود لتصبح تداولاتها الأكثر سخونة في الأسواق الناشئة.
بدأ التغير السريع في الثروة بصفقة تطوير سياحي بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات، وهو أكبر استثمار داخلي في تاريخ مصر وضخ الدولارات التي مهدت الطريق لرفع أسعار الفائدة قياسياً وتكبير قرض صندوق النقد الدولي.
إنما ليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة قادرة على إصلاح المشكلات الاقتصادية التي سرّعت الانهيار، إذ تتمتّع مصر بسجّل حافل من الإعلان عن إصلاحات يحبّذها المستثمرون قبل أن تتراجع.
1 – ما أصل أزمة الاقتصاد المصري؟
تحصل مصر على معظم عملتها الصعبة من صادرات الطاقة والسياحة ورسوم السفن التي تعبر قناة السويس والتحويلات التي يرسلها المغتربون إلى الوطن الأمن.
هذا، في حين تعاني الصناعات المحلية من ضعف الاستثمار، وتشكو الشركات الخاصة من المنافسة غير العادلة التي تفرضها الكيانات المرتبطة بالجيش.
وهذا يحد من الاستثمار الأجنبي المباشر خارج صناعة النفط والغاز، بما يجعل الموارد المالية لمصر أكثر عرضة للتدفقات المتقلبة من "الأموال الساخنة" التي تستثمرها الصناديق الدولية على مدى فترات أقصر.
وقد أدى الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه المصري، الذي بدأت فصوله عام 2022، إلى مفاقمة التضخم، وهو ما أحدث وضعاً أشبه ببرميل بارود سياسي محتمل في بلد تعتمد فيه العديد من الأسر على دعم الدولة لشراء السلع الغذائية الأساسية.
وأدى هروب رؤوس الأموال وندرة العملة الصعبة لانحدار معروض الدولارات إلى مستويات منخفضة ترتبت عليها مخاطر في عام 2023.
وبدأ تداول الجنيه ينشط في السوق السوداء بضعف سعره الرسمي تقريباً، الأمر الذي زاد التكاليف على الشركات والمستوردين.
كما أدت هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر إلى انخفاض رسوم قناة السويس، فيما انحسرت التحويلات مع وقف المصريين في الخارج إرسالها إلى الوطن نتيجة توقعات بانخفاض إضافي لقيمة الجنيه.
2 - ما هو الحل لأزمة الاقتصاد المصري؟
لقد أدى الاتفاق مع الإمارات على تحويل "رأس الحكمة" (وهو امتداد ساحلي على البحر الأبيض المتوسط) إلى ملاذ سياحي، إلى تعزيز الثقة فوراً وأنقذ البلاد من حافة الهاوية.
وأعقبت السلطات ذلك برفع أسعار الفائدة 6 نقاط مئوية، الأمر الذي ساعد في عكس اتجاه هروب رؤوس الأموال من خلال منح المستثمرين المترقبين لأسعار الفائدة فرصة تحقيق عوائد سنوية تزيد على 20%.
وفي خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع، قرر البنك المركزي المصري السماح بتعويم العملة، ما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه 40% تقريباً مقابل الدولار خلال يوم واحد.
وكان صندوق النقد الدولي يدعو إلى نظام عملة مرن لعدة أشهر، وكافأ الحكومة المصرية بمضاعفة حجم برنامج القروض الذي تمت الموافقة عليه لأول مرة عام 2022، من 3 مليارات إلى 8 مليارات دولار تقريباً.
وشكّل هذا حافزاً لتدفق إضافي بقيمة ناهزت 14 مليار دولار من الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.
3 - كيف تجاوب المستثمرون مع تطورات الاقتصاد المصري؟
حصل تدافع على سندات مصر بالعملة المحلية، واستهدف المستثمرون عمليات تداول تكتيكية بانتظار المزيد من الأدلة على أن البلاد قد تجاوزت مرحلة صعبة قبل أن يستثمروا أموالهم في استثمارات أكثر استراتيجية وأطول أجلاً.
ولهذا السبب، تدفقت معظم الأموال إلى فرص استثمارية قصيرة الأجل، مثل صفقات الشراء بالاقتراض بدلاً من السندات المصرية الدولارية.
والواقع أن الدين الدولي للبلاد فقد بعضاً من جاذبيته مع الاندفاع نحو الديون بالعملة المحلية التي تقدّم عوائد أعلى.
4 - كيف وصل الاقتصاد المصري إلى هذه المرحلة؟
تعاني مصر من أزمات اقتصادية دورية منذ انتفاضات "الربيع العربي" عام 2011، وتكافح الحكومة لتغطية فواتير ضخمة لواردات القمح والدعم ورواتب القطاع العام.
وقد حاول الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تولى السلطة عام 2013، إنعاش الاقتصاد من خلال إطلاق مشاريع أشغال عامة ضخمة، بما في ذلك توسيع قناة السويس وبناء العاصمة الإدارية الجديدة. وكانت عوائد هذه الاستثمارات متفاوتة، وتم تمويل الكثير منها من خلال الاقتراض.
وبحلول أواخر عام 2023، أنفقت مصر نحو نصف إيراداتها على فوائد الديون. ولم يكن ذلك مستداماً إلا بسبب أسعار الفائدة المرتفعة التي دعمت الطلب الأجنبي على الديون المحلية.
وفي أعقاب وباء كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، دفعت قفزة أسعار الفائدة العالمية المستثمرين إلى سحب نحو 20 مليار دولار من مصر، وهو ما أحدث أزمة رأى الكثيرون أنها كانت أصلاً في صدد التشكل منذ فترة طويلة.
5 - ماذا سيحدث للاقتصاد المصري لاحقاً؟
تقول الحكومة إنها ستفي بتعهدها الذي قطعته على نفسها لصندوق النقد الدولي بكبح الإنفاق الحكومي وتعزيز المنافسة من خلال منح القطاع الخاص دوراً أكبر في الاقتصاد، علماً أنها سبق وقدمت وعوداً مماثلة في الماضي، ثم تبدّدت إلى حد كبير.
وأحد المخاوف السائدة بين المستثمرين الآن هو أن السلطات ستعكس مسارها بشأن التخفيض الأخير لقيمة العملة في أقرب فرصة، مثلما فعلت عام 2016 ثم في عام 2022، بهدف الحد من الزيادات المتسارعة في الأسعار التي تهدّد الاستقرار الاجتماعي وتجبر الحكومة على دفع المزيد من الإعانات.
6 - هل أصبح الجنيه المصري فعلاً عملة حرة معوّمة الآن؟
تحيط بهذا التساؤل شكوك كثيرة، بحسب زياد داوود، الخبير الاقتصادي للأسواق الناشئة في "بلومبيرغ"، والذي يقول إن حركة العملة "سلسة للغاية" لدرجة تحول دون التعويم الحر الحقيقي.
5 things that happened this week:
— Ziad Daoud (@ZiadMDaoud) March 16, 2024
Egypt pound has been appreciating steadily since 6 March
On that day, authorities announced they'd allow "the exchange rate to be determined by market forces"
But the currency movement is too smooth for the free floatation to be true
1/5 pic.twitter.com/yWKS6BMDEg
7 - ماذا يعني كل ذلك بالنسبة لمكانة مصر الإقليمية؟
إن دور مصر كوسيط قوة إقليمي، والذي تطور في عهد الرئيس جمال عبد الناصر في الستينيات، تلاشى ببطء مع استخدام ممالك الخليج ثروتها النفطية لتوسيع نفوذها عبر الشرق الأوسط وأفريقيا.
وفي الآونة الأخيرة، أكد العدوان الإسرائيلي على غزة من جديد على الدور المحوري الذي تلعبه مصر في سياسة المنطقة.
فهي أول دولة عربية وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل، وتسيطر على النقاط الحدودية الوحيدة غير الإسرائيلية المؤدية إلى غزة المحاصرة، وسيكون لها رأي في نتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة. وفكرة أن مصر أهم من أن يُسمح لها بالفشل ساعدتها في تأمين عمليات الإنقاذ السابقة لاقتصادها.
وأحدث الدفعات النقدية تأتي مع المزيد من الشروط المرفقة، إذ تتوقف حزمة التمويل التي يقدمها الاتحاد الأوروبي بقيمة 7.4 مليارات يورو جزئياً على مساعدة مصر في الحد من الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد.
وأكثر من أي وقت مضى، تريد دول الخليج عائداً جيداً على مشاريع مثل "رأس الحكمة"، لذا فهي مهتمة بالإدارة الجيدة للاقتصادات التي تتم فيها هذه الاستثمارات.
(بلومبيرغ، العربي الجديد)