استمع إلى الملخص
- من المتوقع أن يخوض ترامب حروبًا اقتصادية وتجارية مع دول مثل الصين وإيران وفنزويلا، مستخدمًا العقوبات والرسوم الجمركية كأدوات ضغط، مما قد يدر مليارات الدولارات على الاقتصاد الأمريكي ويساعد في معالجة العجز الكبير في الميزانية الاتحادية.
- في ملف إيران، قد يعيد ترامب فرض العقوبات ويستهدف قطاع النفط، بينما يمكن أن تؤدي صفقات محتملة مع الصين والاتحاد الأوروبي إلى تعزيز الاقتصاد الأمريكي وتحقيق مكاسب استراتيجية.
يجيد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، دور السمسار وفن صيد الصفقات حتى مع ألد أعدائه، الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا وفنزويلا، خاصة تلك الصفقات التي تتم "تحت الترابيزة" وبعيداً عن أعين المنافسين، وإبرام وقنص الناجح منها، ويتعامل مع الجميع على أنهم صفقات محتملة ومتحركة، وبنوك مكدسة بالأموال، وبورصات مليئة بالفرص والأرباح الرأسمالية، وآبار نفط متحركة يمكن أن يسفر التفاوض مع المسؤولين عنها عن حصد ملايين بل ومليارات الدولارات، وجمع الأموال الرخيصة، خاصة تلك الناتجة عن عمليات الابتزاز السياسي والضغوطات وبيع الأسلحة كما حدث مع بعض دول الخليج ودول أخرى خلال ولايته الأولى "2017-2021".
ولم لا، فترامب السمسار "بزنس مان" بالدرجة الأولى، وملياردير أميركي كبير حيث يتجاوز حجم ثروته 5.6 مليارات دولار، وهو رجل ثري قبل أن يصبح رئيساً منتخباً، سواء في ولايته الأولى أو الثانية، وسمسار عقارات بارز، وصائد صفقات معروف، وحوت كبير من حيتان حي "وول ستريت" المالي، ورجل أعمال بارز تعثر مرات بل وأفلست شركاته، ورغم ذلك قاوم الفشل ولم يستسلم لإخفاقات ومشاكل وأزمات الأسواق ونجح في تجاوز عثراته المالية والنقدية.
ولذا من المؤكد أن يميل ترامب السمسار إلى إبرام صفقات كبرى خلال ولايته الثانية، ما دامت في صالح الاقتصاد والمواطن الأميركي ومعها إمبراطوريته وشركاته أيضاً، وأن يرتدي قبعة السمسار خلال معاركه السياسية والاقتصادية الكثيرة التي من المتوقع أن يخوضها ضد الشركاء التجاريين والأعداء السياسيين على مدى الأربع سنوات المقبلة 2024-2028، وخلال جاهزيته لحسم عشرات الملفات الشائكة، سواء في منطقة الشرق الأدنى أو الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية.
من المؤكد أن يميل ترامب إلى إبرام صفقات كبرى خلال ولايته الثانية، ما دامت في صالح الاقتصاد والمواطن الأميركي ومعها إمبراطوريته وشركاته أيضاً
وفي الوقت الذي من المتوقع على نطاق واسع أن يخوض ترامب حروباً اقتصادية وتجارية كبرى مع دول عدة، أبرزها الصين وإيران وفنزويلا والاتحاد الأوروبي وكندا وغيرها، شاهراً أسلحة العقوبات والرسوم الجمركية والحظر الاقتصادي والتضييق على الاستثمارات الأجنبية خاصة المتعلقة بأعداء الولايات المتحدة، فإنه في المقابل قد تتحول تلك الحروب إلى صفقات يتبعها تدفق مليارات الدولارات على الخزانة الأميركية التي تعاني من عجز كبير حيث يتجاوز حجم الدين العام 35 تريليون دولار، وهو ما يشكّل معضلة كبيرة للاقتصاد الأميركي والقطاع المالي والمصرفي والميزانية الاتحادية، وقبلها أزمة كبيرة لدافعي الضرائب الذين يتحملون لوحدهم كلفة هذا الدين البالغة نحو تريليون دولار سنوياً.
مثلاً في ملف إيران، العدو الأبرز للرئيس المنتخب، فإن التوقعات الكثيرة هو إعادة ترامب فرض العقوبات الأميركية على طهران، واستهداف قطاعها من النفط والغاز ليهدد بذلك أبرز القطاعات الاقتصادية المدرة للنقد الأجنبي ويجفف موارد الخزانة العامة، وربما يستهدف بشكل مباشر البرنامج النووي الإيراني ويحث إسرائيل على استهدافه وضربه. كما يعمل على تعميق الخلافات بين دول الخليج وإيران وإثارة ملفات حساسية منها مخاطر المد الشيعي في المنطقة.
لكن في المقابل فإن إبرام الحكومة الإيرانية صفقة مع إدارة ترامب تحصد الولايات المتحدة من خلالها مليارات الدولارات وتحقق عوائد ضخمة للاقتصاد الأميركي كفيلة بنزع فتيل الأزمة المرتقبة بين طهران وواشنطن، بل وإلغاء العقوبات الأميركية التي فرضها ترامب عندما انسحب من الاتفاق النووي في عام 2018.
صفقة قد تجمع بين الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، وقد تكون من بين ملامحها تسوية الحرب الحالية المشتعلة في لبنان، وبحث مستقبل حزب الله وغيره من الجماعات الداعمة لطهران في المنطقة العربية، خاصة في العراق واليمن وسورية ولبنان.
رغم احتمالية تصاعد الحروب الاقتصادية والتجارية بين بكين وواشنطن بداية من عام 2025 وعقب استلام ترامب منصبه، فإن إبرام صفقات بين الطرفين يبدو محتملاً وغير مستبعد
أما بالنسبة للصين، عدو ترامب الأول، والتي يهددها بشلّ صادراتها للولايات المتحدة عبر فرض رسوم جمركية عليها بنسبة 60%، فعلى الرغم من احتمالية تصاعد الحروب الاقتصادية والتجارية بين بكين وواشنطن بداية من عام 2025 وعقب استلام ترامب منصبه، فإن إبرام صفقات بين الطرفين يبدو محتملاً وغير مستبعد، خاصة أن الصين تواجه مشاكل اقتصادية داخلية وخارجية على مستوى قطاعات حيوية مثل الصناعة والعقارات والصادرات، وبالتالي فهي ليست بحاجة إلى قرارات ترامب المجنونة وتعطيل صادراتها للأسواق الخارجية ومشروعاتها الكبرى مثل طريق الحرير وغيره.
لكن هناك عدة تحديات تقف أمام تلك الصفقة مثل، الخلافات الحادة حول تايوان، مخاوف واشنطن من قيادة الصين الاقتصاد العالمي في السنوات المقبلة، استثمارات الصين المتزايدة داخل الولايات المتحدة بما فيها قطاعات حساسة، عمليات التجسس الصناعي والتكنولوجي الصيني والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية وغيرها.
كذلك يمكن لترامب عقد صفقات مع الاتحاد الأوروبي الذي يحتاج أكثر من غيره إلى مثل تلك الصفقات خاصة مع الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها الاتحاد، والوضع الصعب في أوكرانيا، وإفلاسات الشركات الكبرى والتضخم ومستقبل حلف الناتو وغيرها، وفشل محاصرة وتركيع روسيا اقتصاديا أو خنق قطاع الطاقة بها.
ترامب لن يمنح شيكاً على بياض لأحد، بمن فيهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، ويبدو أن ملفات ساخنة مثل حروب وأزمات الشرق الأوسط وأوكرانيا تنتظر صفقات ترامب السياسية ليحولها إلى مكاسب لاقتصاد بلاده، فهل يكتب لها النجاح؟