لم تبدِ مؤسسات النظام السوري حتى الآن أي ردة فعل على ظهور المتحور الجديد لكورونا والذي يدعى "أوميكرون"، باستثناء بيان مقتضب وروتيني لوزارة الصحة، دعت فيه السوريين إلى "أخذ المزيد من الحيطة واتباع الإجراءات الاحترازية".
وأضافت أنّها "تتابع على مدار الساعة الوضع الوبائي لفيروس كورونا محلياً وعالمياً".
وعدا عن ذلك، فإنّ أيّاً من المسؤولين التابعين للنظام لم يستغل الطفرة الجديدة لفيروس كورونا، وأخبار الحذر العالمي وإغلاق الحدود وإيقاف حركة الطيران من بلدان في أفريقيا، كي يتوقع الأسوأ للاقتصاد السوري، أو يحمل الأزمات المعيشية الحالية عليها، كما جرت العادة، ذلك أنّ البلد يعاني في الأساس من الحصار والعقوبات، وبالتالي فإنّ تأثير هذا الفيروس على الوضع في سورية قد يحتاج لفترة زمنية أطول من الدول الأخرى، بحسب ما يؤكد العديد من المتابعين.
ويرى المحلل الاقتصادي من دمشق مروان قويدر أنّ التأثيرات السلبية المتوقعة على الاقتصاد العالمي، في حال حصول إغلاق، كما حدث في عام 2020، قد لا تطاول سورية بشكل مباشر، لأنّ البلد لا توجد فيه سياحة، وحركة الطيران متوقفة منذ عدة سنوات، وبالتالي فإنّ التأثيرات السلبية قد تطاول التجارة الخارجية والتصدير قبل الاستيراد.
وأوضح قويدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ النظام السوري "كان من أكبر المستفيدين من تراجع أسعار النفط العالمية إبان الإغلاق جراء أزمة كورونا، حين انخفض سعر البرميل إلى أقل من 20 دولاراً خلال العام الماضي، إلّا أنّه تضرر كثيراً عندما ارتفع سعر البرميل إلى أكثر من 80 دولاراً خلال فترة الانتعاش الاقتصادي التي حصلت في الأشهر الثلاثة الماضية، بعد إعلان العديد من الدول التعافي من الفيروس".
وأضاف أنّ "مستوردات النفط في سورية شكلت ما نسبته 20 بالمائة تقريباً من قائمة مستوردات العام الماضي، البالغة نحو 4 مليارات يورو، وفقاً لبيانات وزارة الاقتصاد، بينما من المتوقع أن تشكل أكثر من 50 بالمائة خلال العام القادم، 2022، في حال حافظت أسعار النفط على مستواها الحالي"، ولفت إلى أنّ أيّ إغلاق للأسواق العالمية جراء التخوف من "أوميكرون" سوف ينعكس مباشرة على انخفاض أسعار النفط، والتي انخفضت بالفعل إلى 72 دولاراً على الفور من 80 دولاراً.
وأشار قويدر إلى أنّ النظام كان يعول كثيرا على زيادة صادراته خلال العام القادم، ورفعها من مليار يورو إلى نحو ملياري يورو، خصوصاً بعد انفتاح الأردن والعديد من الدول الخليجية عليه، أما إذا حدث إغلاق شبيه بالعام الماضي، فلن يتحقق هذا الأمر بسهولة.
وفي المقابل، يرى الصحافي والمحلل الاقتصادي من دمشق بسام أ. أنّ الاقتصاد السوري دفع ضريبة كبيرة خلال أزمة كورونا في العام 2020، والتي لا تزال آثارها السلبية مستمرة حتى اليوم، مشيرا إلى أن ما يعيشه السوريون من أوضاع اقتصادية صعبة في الفترة الراهنة يعود إلى ذلك العام، الذي وصفه بـ"المشؤوم"، "عندما انهار سعر صرف الليرة السورية من 1000 ليرة مقابل الدولار في نهاية العام 2019، إلى نحو 3500 ليرة في الوقت الحالي".
وبين الصحافي السوري، الذي يعمل في إعلام النظام الموازي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "من يتولى مسؤولية التجارة الخارجية في سورية هو القطاع الخاص، بنسبة تزيد عن 80 بالمائة، فيما كان هذا القطاع من أكبر المتضررين خلال فترة الإغلاق إبان كورونا، نتيجة ارتفاع كلفة الشحن الدولي، وعدم قدرة الحكومة على تعويض الخسائر التي يتعرض لها التجار".
وتشهد مناطق النظام في الفترة الراهنة موجة غلاء كبيرة مترافقة مع العديد من القرارات الحكومية، التي تهدف لتحصيل المزيد من الإيرادات لخزينة الدولة، من خلال التلويح برفع الدعم عن الكثير من الفئات التي تصفها الحكومة بغير المستحقة، بالإضافة لرفع أسعار حوامل الطاقة في الفترة الماضية، والتي أدت إلى رفع أسعار السلع والخدمات بنسبة تراوحت بين 10 و15 بالمائة.
وكان النظام قد أقر موازنة للعام القادم تبلغ أكثر من 13 تريليون ليرة (نحو 4 مليارات دولار)، بنسبة عجز تزيد عن 4 تريليونات ليرة (أكثر من مليار دولار)، ومبلغ دعم يتجاوز 5 تريليونات ليرة.
ورأى المحلل الاقتصادي السوري أحمد المسالمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن خطط النظام السوري في توزيع موازنته سوف تختلف كليا إذا حدث ركود في الأسواق العالمية وعاد الإغلاق من جديد، لأن النظام ومنذ الشهر الماضي اعتمد الطريق الأسهل لتغطية العجز في الموازنة، عبر رفع أسعار الطاقة، متوقعا أن تظل الأسعار مرتفعة فوق 80 دولاراً للبرميل. وأشار المسالمة إلى أن مبلغ الدعم في الموازنة البالغ أكثر من 5 تريليونات ليرة، سوف يحرج النظام أيضاً، لأن أكثر من نصفه مخصص للطاقة، ومحسوب على أساس سعر مرتفع لبرميل النفط، وبالتالي هذا يفرض على النظام أن يعيد توزيع الدعم، إما من خلال تخفيض أسعار المحروقات في حال تراجعت أسعار النفط كثيرا، أو من خلال زيادة الرواتب والأجور بنسبة كبيرة.
ووفقاً للمحلل الاقتصادي، فإنّ صورة المشهد العالمي ما زالت غائمة، ولا أحد يعرف على وجه التحديد إلى أين يمكن أن تمضي الأمور، خصوصاً أنّ منظمة الصحة العالمية وشركات اللقاح الكبرى تتحدث عن فترة زمنية تمتد إلى أكثر من 100 يوم من أجل السيطرة على المتحور الجديد لفيروس كورونا.
من جهة أخرى، أكدت مصادر طبية مطلعة في دمشق، لـ"العربي الجديد"، أنّ المؤسسات الصحية التابعة للنظام ليست لديها مختبرات للكشف عن "أوميكرون".