تضمّن مخطط عمل الحكومة الجزائرية الجديدة، بقيادة أيمن بن عبد الرحمن (ثاني حكومة في عهد الرئيس عبد المجيد تبون)، المنتظر عرضه على البرلمان في الأيام المقبلة، محوراً يتعلق بالحوكمة المتجددة، جرى التطرق فيه إلى إصلاح عمليات الدعم.
وجاء في "ورقة طريق الحكومة" التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن إصلاح عمليات الدعم يتطلب الانتقال إلى نظام دعم جديد مع "استهداف أفضل، ما سيمكّن من التحكم في الاعتمادات التي يتم حشدها سنوياً، وترشيدها".
وترى الحكومة في مخطط عملها الذي صدّق عليه الرئيس تبون قبل ثلاثة أسابيع، ضرورة الانتقال من "نظام المساعدات الشاملة إلى نظام المساعدات الاستهدافية لفائدة الأسر المحرومة، ما يسمح بضمان العدالة الاجتماعية".
وكشفت الحكومة في مخطط عملها أن "مرحلة الدراسة استكملت وتعهدت بالسهر على إطلاق هذا الإصلاح في هذه الظروف".
رفعت الحكومة مخصصات الدعم في موازنة 2021، رغم مرور البلاد بوضع اقتصادي صعب، يتميز بشحّ الموارد، خاصة من قطاع النفط، وانكماش الاقتصاد
ورفعت الحكومة مخصصات الدعم في موازنة 2021، رغم مرور البلاد بوضع اقتصادي صعب، يتميز بشحّ الموارد، خاصة من قطاع النفط، وانكماش الاقتصاد، وسط ارتفاع الإنفاق الحكومي، حتى لا تثير الشارع الذي لا يزال منقسماً بين مؤيد للنظام ومعارضٍ له منذ انتخابه في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.
وجاءت ميزانية الدعم، أو ما يُعرَف بـ "التحويلات الاجتماعية" بـ 1920 مليار دينار، أي ما يعادل 15.2 مليار دولار، ما يمثل 9.4 في المائة من قيمة الناتج المحلي الاجمالي، مقابل 1700 مليار دينار سنة 2020 السنة الحالية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تكشف فيها السلطات عن مراجعة سياسة الدعم في البلاد، إلا أن الخطط الحكومية بقيت حبراً على ورق، بالنظر إلى حساسية الملف بالنسبة إلى الشارع.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن هناك نحو 2.2 مليون شخص يصنفون ضمن الفئات المحتاجة، الأمر الذي دعا خبراء اقتصاد وناشطين في جمعيات لحقوق المستهلك إلى المطالبة بسياسات واضحة لحماية هؤلاء مع تحرير الأسعار.
وقال الخبير في السياسات الاجتماعية، نور الدين بودربة، إنه ينبغي رفع الدعم تدريجياً لتجنب إثقال كاهل المواطن، الذي يعاني من دفع ثمن تراجع الإيرادات من جيبه رغم محدودية دخله. وأشار بودربة في حديث مع "العربي الجديد" إلى إمكانية تحديد الدعم من خلال استحداث بطاقة مخصصة لذلك، بناءً على دخل الأسر.
واقترح التبليغ الذاتي عن الحاجة من قبل الراغبين في الدعم، لكون الجزائر لا تملك بطاقة خاصة بالمحتاجين، ويكون ذلك كمرحلة أولى، لبدء التنفيذ في غضون ستة أشهر، على أن تُنقَّح القائمة تدريجاً، إلى حين التوصل إلى بطاقة للمستحقين الفعليين بعد ثلاث سنوات على الأكثر".
يعيش أكثر من مليون ونصف مليون عامل في الجزائر بأجور زهيدة لا تتعدى 20 ألف دينار (150 دولاراً) شهريا ولا تغطي تكاليف معيشة شهر كامل
ولم يخف الخبير في السياسات الاجتماعية مخاوفه من أن يؤدي تحرير الأسعار ورفع الدعم إلى تآكل أجور الطبقة المتوسطة بنسبة 20 في المائة، مقابل نحو 1 في المائة فقط لأصحاب الدخول المرتفعة، فضلاً عن أن أسعار الكثير من السلع لن تكون في متناول الجميع. وتعهدت الحكومة بـ "الشروع في إجراء تقييم لمستويات الأجور في القطاع الاقتصادي والوظيفة العمومية قصد تحسين القدرة الشرائية للمواطنين".
وبالموازاة مع ذلك "ستعمل الحكومة على تنفيذ قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون المتعلق بتأسيس منحة البطالة التي ستوجه للعاطلين من طالبي العمل لأول مرة الذين ليس لهم دخل".
ويعيش أكثر من مليون ونصف مليون عامل في الجزائر بأجور زهيدة لا تتعدى 20 ألف دينار (150 دولاراً) شهريا ولا تغطي تكاليف معيشة شهر كامل.
وتتحاشى الحكومة إجراء دراسة متعمقة حول وضعية العمال الجزائريين من الطبقة الوسطى، في وقت تشير دراسات إلى أن ملايين الجزائريين يعيشون تحت خط الفقر، ووفقاً للخبراء، فإن أكثر من ثلث العمال معرضون للخطر، خاصة مع الانخفاض الحر في القوة الشرائية.
ولم يأتِ هذا الرقم من فراغ، حسب الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي محمد عزوز، "بل يعتمد على حسابات بسيطة مستمدة من البيانات التي قدمها البنك الدولي، تفيد بأن أسرة مكونة من 5 أفراد تحتاج 70 ألف دينار لتعيش بدون ديون، وبما أن 34 في المائة من العمال يتقاضون أقل من 30 ألف دينار، فإن هؤلاء هم أقرب للفقر من الطبقة الوسطى".
وأضاف عزوز، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "سياسة الدولة في إدارة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية تؤثر مباشرةً بقدرة الجزائريين على العيش الكريم، فالفشل الحكومي لعقود في تسيير أموال النفط أوصل المواطن والعامل بالأخص إلى هذه الحالة الاجتماعية".