عندما يجتمع وزراء "أوبك +" لمنتجي النفط، اليوم الاثنين، يمكن للتحالف أن يحتفل بقوة انتصاره في سوق النفط، بعدما نجحت سياسة خفض الإمدادات في امتصاص المخزون العالمي ودفع الأسعار للصعود، إثر انهيار خلال الأشهر الأولى من جائحة فيروس كورونا.
لكن هذا الانتصار لم يكن وحده ناجماً عن سياسة خفض الإمدادات، وإنما نتاج عوامل خارجية ارتبطت بشكل كبير بطفرة أسعار الغاز أخيراً، وانتعاش الاقتصادات الكبرى، ما يشجع منتجي النفط على زيادة الإمدادات دون قلق من عودة الأسعار للانحدار مجدداً.
وحفّز نقص المعروض من الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية، ووصول أسعاره إلى ما يعادل 190 دولاراً للبرميل، تحوّل العديد من الدول الصناعية الكبرى إلى المنتجات النفطية للتدفئة والتصنيع، ما يعزز الطلب الإجمالي.
حفّز نقص المعروض من الغاز في الأسواق، ووصول أسعاره إلى ما يعادل 190 دولاراً للبرميل، تحوّل العديد من الدول الصناعية الكبرى إلى المنتجات النفطية للتدفئة والتصنيع
وربما تغير الأجواء الحالية في عالم الطاقة من الواقع السياسي، لا سيما المرتبط بالمشهد الإيراني ـ الأميركي في الفترة المقبلة، إذ قد تُسرع قفزات أسعار النفط بشكل محدد من توصل واشنطن إلى اتفاق مع طهران بشأن برنامجها النووي، ما يرفع العقوبات عن النفط الإيراني، ويعيد ضخ ملايين البراميل في السوق العالمية، وكذلك حصول طهران على عشرات مليارات الدولارات المجمدة التي قد تستخدمها في تطوير حقولها النفطية والتخفيف من وطأة العقوبات.
لم يحدث يوماً أن كان تأثير أزمة الطاقة أشد خطورة من الفترة الحالية، خاصة إذا ما جاء الطقس بارداً وسيئاً في فصل الشتاء، إذ ستواجه العائلات والشركات في مختلف أنحاء العالم ارتفاعاً باهظاً في تكاليف التدفئة يرهق كاهلها، بينما تحملت بالفعل أسعاراً في الأشهر الأخيرة هي الأعلى منذ سنوات.
وربما تفقد الحكومات تأييد شعوبها، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، وهي التي تحاول جاهدة تهدئة مخاوف ارتفاع التضخم. وقد تزداد الشكوك أكثر في إمكانية الانتقال إلى الطاقة النظيفة، التي تتعرض فعلاً لعاصفة من الهجوم، بعدما أسهم انخفاض توليد الطاقة من الرياح في حدوث أزمة شح الكهرباء في أوروبا.
وتتجه أنظار مستهلكي النفط، اليوم الاثنين، إلى اجتماع تحالف "أوبك+" الذي يضم الدول الأعضاء في منظمة أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية والمنتجين الكبار من خارجها على رأسهم روسيا، لبحث زيادة الإمدادات.
يقول بعض مندوبي "أوبك +" وفق ما نقلت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، مساء السبت، إن الزيادة التي ستتم الموافقة عليها في الاجتماع قد تكون أكبر من 400 ألف برميل يومياً، التي قررها وزررء النفط والطاقة في دول "أوبك+" خلال اجتماع منتصف يوليو/تموز، والتي تستمر حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول.
وقد تم بالفعل إحياء حوالي 45% من الإمدادات المعطلة، منذ أن بدأ تحالف "أوبك+" في مايو/ أيار 2020، خفض إنتاج تاريخي بمقدار 9.7 ملايين برميل يومياً، لاستعادة الاستقرار للسوق التي تضررت بشكل كبير بسبب تفشي كورونا العام الماضي، وتم تخفيف الخفض لاحقا وصولاً إلى نحو 5.8 ملايين برميل حالياً.
تتجه أنظار مستهلكي النفط، الاثنين، إلى اجتماع تحالف "أوبك+" الذي يضم أعضاء أوبك بقيادة السعودية والمنتجين من خارجها على رأسهم روسيا، لبحث زيادة الإمدادات
وفي إبريل/ نيسان 2020، هوت أسعار خام برنت إلى أدنى مستوى في أكثر من 20 عاماً، عندما انخفضت إلى ما دون 16 دولاراً للبرميل، فيما انهارت أسعار الخام الأميركي إلى ما دون الصفر لأول مرة في التاريخ، عندما بلغت سالب 37 دولاراً للبرميل.
لكن اليوم انعكست الصورة مع صعود الأسعار. وبات واقع الأسعار يقلق واشنطن التي اتجهت إلى الضغط مجدداً على "أوبك" لزيادة إنتاجها، فيما ترسل الصين برسائل غير مباشرة إلى منتجي النفط حيال إمكانية تدخلها لخفض الأسعار، بينما تبحث أوروبا عن بدائل للخروج من مأزق خانق يهدد بشتاء قارس.
وخلال الأسبوع الماضي، لامس سعر النفط أعلى مستوى له في ثلاث سنوات بالقرب من 80 دولاراً للبرميل.
ومنتصف الأسبوع الماضي، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أنها ذكّرت "أوبك" بضرورة دعم التعافي، كما التقى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأربعاء الماضي.
وقالت هيليما كروفت، كبيرة استراتيجيي السلع في مؤسسة "آر بي سي كابيتال ماركتس": "ستتعرض أوبك+ لضغوط شديدة متزايدة من جانب واشنطن لزيادة الإنتاج والحدّ من صعود الأسعار... الزيادة التي تتجاوز 400 ألف برميل يومياً تعد خياراً متاحاً يوم الاثنين".
تؤيد وجهة النظر هذه شركة "فيتول غروب"، أكبر متداول مستقل في العالم، إذ قال كريس بيك، المدير بالشركة، إن الطلب على النفط لا يعززه فقط نقص الغاز الطبيعي، بل إن آفاق العرض تتقلص.
وفي هذه الأثناء انخرطت طهران وواشنطن في مفاوضات لإعادة تفعيل الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الأميركية على شحنات النفط الإيرانية، لكن المحادثات لم تحرز تقدماً يذكر حتى الآن. نتيجة لذلك، ما زال غير متاح ما يقرب من 1.4 مليون برميل يومياً من الخام الإيراني الذي اعتقد التجار أنه قد يدخل السوق في أواخر عام 2021.
ويوم الجمعة الماضي، قال "بنك أوف أميركا" إنه يمكن لأزمة الطاقة العالمية أن تسهم في رفع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014، وتحفز أزمة اقتصادية عالمية، بينما هناك من يراهن بالفعل من بين متداولي عقود خيارات الشراء في سوق النفط على ارتفاع برميل النفط إلى 200 دولار بنهاية 2022.
"بنك أوف أميركا": يمكن لأزمة الطاقة أن تسهم في رفع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ 2014، وتحفز أزمة اقتصادية عالمية
وأشار البنك الأميركي إلى أن ما يعزز ارتفاع الذهب الأسود هو التحول من الغاز إلى النفط نتيجة لارتفاع أسعار الغاز، وقفزة في استهلاك النفط الخام خلال فصل الشتاء البارد، وزيادة الطلب على الطيران مع إعادة فتح الولايات المتحدة لحدودها.
وفي أقل من عام ونصف تحولت أسعار الغاز الطبيعي المسال من قيعان قياسية إلى قمم قياسية، مع تأثر السوق في البداية بتداعيات جائحة كورونا، وعجزها الآن عن مواكبة الانتعاش العالمي في الطلب.
ودفع ذلك أسعار الغاز الطبيعي المسال لتبلغ 34 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، الأسبوع الماضي، مقارنة مع أقل من دولارين للمليون وحدة في مايو/ أيار 2020، بينما قفزت أسعار الغاز الأوروبية بنسبة 300% هذا العام.
وما زالت مخزونات الغاز شحيحة للغاية في أوروبا وآسيا واللتين تمثلان معاً 94% من الواردات العالمية للغاز الطبيعي المسال، وما يربو على ثلث الاستهلاك العالمي. ويعمل معظم منتجي الغاز الطبيعي المسال الرئيسيين بكامل طاقتهم أو قريبا منها، وخصصوا غالبية شحناتهم لعملاء محددين، مما يترك فرصة ضئيلة لإصلاح الوضع في الأجل القصير.
ووفقا للاتحاد الدولي للغاز، من المتوقع توافر 8.9 ملايين طن سنويا فقط من إجمالي 139.1 مليون طن سنويا من طاقة التسييل الجديدة المزمعة في 2021.
وأظهرت بيانات صادرة عن مؤسسة "رفينيتيف" أنه منذ بداية العام، تم تحميل 288.1 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال للتصدير على مستوى العالم، بزيادة سبعة في المائة فقط عن نفس الفترة من العام الماضي.
أدى ضعف الرياح في أوروبا مؤخرا إلى زيادة استخدام محطات الكهرباء هناك للغاز
وربما يجد المشترون صعوبات في شراء ما يكفي من الغاز من أجل إعادة تخزينه واستخدامه. وأدى ضعف الرياح في أوروبا مؤخرا إلى زيادة استخدام محطات الكهرباء هناك للغاز، فيما يتم ترشيد استخدام الطاقة بالنسبة للصناعات وبعض المناطق السكنية في الصين، مما أدى إلى قفزة في واردات الغاز الطبيعي المسال.
وقال "بنك سيتي" في مذكرة لعملائه، الأسبوع الماضي: "لن يكون مفاجئا إذا جرى تداول بعض شحنات الغاز أو الغاز الطبيعي المسال في حدود 100 دولار لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية، أو في حدود 580 دولاراً للبرميل من المكافئ النفطي".
وكانت أسعار الغاز الطبيعي المسال الفورية قد هوت على نحو قياسي إلى 1.85 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية في مايو/ أيار 2020، عندما حدت إجراءات لمكافحة انتشار فيروس كورونا من الطلب على الطاقة، مع تدفق إمدادات جديدة من منتجين رئيسيين مثل قطر وأستراليا والولايات المتحدة إلى السوق العالمية.