لا تزال النساء في تونس يقضين ما بين 8 و12 ساعة يومياً في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، رغم التقدم المهم الذي حققته البلاد خلال 6 عقود في مضمار المساواة بين الجنسين، ما يؤثر سلباً بمساراتهن المهنية وقدراتهن على النفاذ إلى الوظائف العليا.
ويُعَدّ عبء أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر للنساء من أبرز العراقيل التي تحدّ من قدرة النساء على الظفر بفرص اقتصادية تحدّ من تأنيث الفقرِ.
وفي هذا السياق، تقول الخبيرة المتخصصة في شأن الجندر (التقسيم على أساس الجنس)، أحلام بوسروال، أن "الوقت الذي تقضيه النساء في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر يحول دون حصولهن على فرص عمل أو تدريبات تزيد من قدراتهن المهنية"، مؤكدة أن لأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر تأثيرات جسيمة في صحّة النساء ورفاهيتهنّ.
وتؤكد بوسروال في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تكليف النساء مهمات كبيرة في البيت يحدّ من تطوير فرع اقتصادي مهم، وهو اقتصاد الرعاية الذي يوفر عديد الوظائف مدفوعة الأجر في الدول المتقدمة، بينما تجبر النساء عليه في العالم العربي دون أي مقابل مادي.
وتقول بوسروال إن أعمال الرعاية التي تقوم بها النساء في تونس تساعد على خلق الثروة التي لا تحصل منها المرأة على نصيب كافٍ.
وكشفت دراسة قامت بها منظمة "أوكسفام" في تونس والجمعية التونسية للنساء من أجل البحث والتنمية عام 2012 أن النساء التونسيات يقضين بين 8 و12 ساعة يومياً في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، مقابل معدّل 45 دقيقة للرجال.
وبيّنت الدراسة أن أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر تكلّف النساء ما بين بين 33% و50% من ميزانيتهنّ الزمنية يوميّاً، مقابل 3% للرجال.
حسب النتائج واستنتاجات دراسة الميزانية الزمنية في تونس (2005 /2010) التي نشرتها وزارة الأسرة والمرأة والطفولة والمُسنين قُدّرت قيمة هذه الأعمال غير المأجورة بـ23.8 مليار دينار تونسي (7.4 مليارات دولار).
وقد أظهرت دراسة عرضها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في تونس أنّ المرأة التونسيّة تتقاضى لذات العمل، وفي بعض المهن، أجراً يقلّ عن أجر الرجل بمعدل 14.6 بالمائة، ما يعني أنها مطالبة بالعمل 37 يوماً إضافياً في العام، لتحصل على أجر سنوي مساوٍ لأجر الرجل، وبينت ذات الدراسة أن المرأة ليست ممثلة بالقدر الكافي في دوائر القرار، وتتقاضى أجوراً أدنى من تلك التي يتقاضاها الرجل.
ورغم أن إشكال المساواة في الأجر لا يطرح في القطاع الحكومي، إلا أن التقدم في السلم الوظيفي والحصول على المناصب العليا في الإدارة لا ينصف المرأة، بحسب القيادية النقابية، حيث غالباً ما يتوقف سلم التدرج الوظيفي للنساء عند الوظائف المتوسطة مهما كانت مؤهلاتهنّ العلمية، فيما يواصل الرجال الارتقاء.
ووفق دراسة كشفت عنها رئاسة الحكومة سنة 2016، لا تتجاوز نسبة النساء المكلفات خططاً وظيفية في القطاع الحكومي 35.8 بالمائة، فيما لا تتعدى نسبة النساء الحاصلات على رتبة مدير عام 25 بالمائة، و30 بالمائة حاصلات على رتبة مدير، و33.8 بالمائة مساعد مدير.
وفي يونيو/ حزيران 2015 وقّعت الحكومة التونسية اتفاقية مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة حول دعم مؤسسة النوع الاجتماعي في سياسات وبرامج الوظائف الحكومية، تتضمن وضع خطة عمل للمساواة بين الجنسين في القطاع الحكومي.
ولا تمثل نسبة النساء النشيطات في سوق الشغل التونسية سوى 28 بالمائة فقط، فيما تفيد بيانات صادرة عن اللجنة الوطنية للمرأة العاملة بالاتحاد العام التونسي للشغل أن عدد النساء اللواتي يترأسن الشركات والإدارات العمومية والخاصة قد فاق 15000 امرأة، أيضاً يمثلن 49 بالمائة من الوظائف المتوسطة والتقنية في القطاع العام.
كشفت دراسة قامت بها منظمة "أوكسفام" في تونس والجمعية التونسية للنساء من أجل البحث والتنمية عام 2012 أن النساء التونسيات يقضين بين 8 و12 ساعة يومياً في أعمال الرعاية
وعموماً، لا يختلف القطاع الخاص عن الحكومي من حيث الهرم الوظيفي، إذ غالباً ما نجد الرجال على رأس كبار المجموعات الاقتصادية والمؤسسات المالية والمصرفية، حسب بيانات حديثة.
وتقول الباحثة في علم الاجتماع نجاة العرعاري، إن تكليف النساء الأعمال المنزلية غير المأجورة يُقصيهنّ عن دورة الإنتاج ويحدّ من مساهمتهنّ في النمو الاقتصادي والمشاركة في دفع الضرائب، ما يضعف موارد الدولة التي تدعم التمشي الاقتصادي للإناث من دائرة العمل المؤجر.
وتؤكد العرعاري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن دراسة أنجزتها منظمة النساء الديمقراطيات (مدنية) أبرزت أن النساء العاملات في تونس يشتغلن أكثر من 17 ساعة يومياً بسبب إجبارهن على الجمع بين الوظيفة والعمل المنزلي غير المأجور، وهو ما يسلط عليهنّ عنفاً اقتصادياً دون أي تغطية صحية أو اجتماعية.
وأضافت أن النساء المجبرات على الوظائف غير المأجورة يجبرن على الأعمال الهامشية والنشاط في القطاع الموازي من أجل تحقيق جزء من الاستقلال الاقتصادي، ما يسبّب توسعة الأنماط الاقتصادية الهشّة، وفق قولها.
وتؤكد العرعاري أن النساء في الأوساط الريفية هنّ الأكثر عرضة للعمل لساعات طويلة دون أجور، في إطار أعمال غير مهيكلة، ودون اعتراف بمساهمتهن في الدفع بعجلة الاقتصاد، على الرغم من أنهنّ الفاعلات الأساسيات في الأنشطة غير الرسمية.