استمع إلى الملخص
- تأجيل الشريحة مرتبط بشروط تشمل إصدار اللائحة التنفيذية لقانون إدارة المالية العامة، ونشر تقارير التدقيق السنوية، وتنفيذ خطة إعادة رسملة البنك المركزي.
- يعكس التأجيل تآكل الثقة بين صندوق النقد والحكومة المصرية، مما قد يؤثر على مصداقية الدولة لدى الدائنين ويزيد من الضغوط الاقتصادية.
عادت الخلافات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي والتي عكسها قرار المؤسسة المالية الدلية إرجاء الافراج عن الشريحة الثالثة من قرض الثمانية مليار دولار والبالغ قيمتها 820 مليون دولار. وكان قرار بعثة صندوق النقد الدولي بالقاهرة تأجيلَ مناقشة صرف الشريحة الثالثة وقرض استثنائي لمصر بقيمة إجمالية قدرها مليارا دولار من أمس الأربعاء إلى الاثنين 29 يوليو/ تموز الجاري، قد أثار مخاوف من تصاعد أزمة مالية خانقة جديدة، تؤثر على قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين، وقيمة العملة.
وفي ظل مطالب سياسيين للحكومة بإعادة التفاوض مع الصندوق، على تأجيل رفع أسعار الكهرباء والمحروقات، المقرر تنفيذها نهاية الشهر الجاري خشية ارتفاع الأسعار، في ظل موجات غلاء لم تهدأ بالأسواق منذ ثلاثة أعوام، يعلق خبراء اقتصاد آمالهم على المجموعة الاقتصادية بالحكومة الجديدة، بإجراء حوار مع الصندوق يضمن استمرار الدعم النقدي من الصندوق، وخفض الآثار السلبية المترتبة على زيادة الديون، وارتفاع الأسعار وبيع الأصول العامة.
أرجعت خبيرة التمويل والاستثمار حنان رمسيس لـ "العربي الجديد" تأجيل مناقشة صرف الشريحة الثالثة، إلى ارتباطها بعدة شروط تلزم مصر بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون إدارة المالية العامة، ونشر تقارير التدقيق السنوية التي يصدرها الجهاز المركزي للمحاسبات عن الحسابات المالية للحكومة، منوهة إلى مطالبة الصندوق بنشر تقرير سنوي شامل عن النفقات الضريبية بنهاية إبريل/ نيسان 2024، وتنفيذ خطة إعادة رسملة البنك المركزي، وتقييم احتياجاته من إعادة الرسملة، بناء على التشاور مع خبراء صندوق النقد، والنظر في استكمال البنك المركزي لامتثاله لمعايير المحاسبة المصرية.
أضافت خبيرة التمويل والاستثمار أن صندوق النقد وجه الحكومة إلى ضرورة وضع استراتيجية السداد وتسوية المدفوعات المتراكمة لمتأخرات الهيئة العامة للبترول، عن عقود توريد الغاز والمحروقات للشركات الدولية، والتي ساهم في إنهائها عبر قروض سابقة، خلال 2016 و2020، مع ضرورة التزام مصر بسداد المستحقات الجديدة التي تراكمت في العامين الأخيرين.
أكدت رمسيس أن عدم التزام الحكومة بسداد مستحقات الشركات الدولية يدفع المستثمرين الأجانب إلى التشكك في قدرة الدولة على سداد المستحقات، ويظهر وجود مشكلة لدى الحكومة في مدى توافر النقد الأجنبي.
تبلغ مستحقات شركات النفط والغاز نحو 6.7 مليارات دولار، تعهد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أثناء إدلائه ببيان الحكومة الجديدة، مطلع الأسبوع الجاري العمل على سدادها بالكامل، مؤكدا أن نسبة السداد خلال الأسابيع الماضية تراوحت ما بين 20%-25% من مستحقات الشركاء الأجانب. منحت الحكومة شركة إيني الإيطالية المتحكمة في آبار الغاز الرئيسية، أولوية لسداد مديونية، قيمتها 1.6 مليار دولار، حيث دفعت نحو 25% من قيمة المتأخرات نهاية يونيو/ حزيران الماضي، لمنع إيني من اللجوء للتحكيم الدولي.
أضافت رمسيس أن صندوق النقد يطلب من الحكومة عودة مصر لبرنامج الطروحات الحكومية، في البورصة لاستكمال برنامج "وثيقة ملكية الدولة"، وإطلاق مؤشر لتتبع تنفيذ سياسة ملكية الدولة، والذي كان مقرر صدوره في يونيو 2024، ليبدأ العمل به مع بداية السنة المالية 2024/ 2025 في يوليو/ تموز الجاري
قالت رمسيس إن اتفاق رسملة البنك المركزي، يتضمن تحديد الحد الأدنى لرأسمال البنك، وأن تكون الزيادة برأس المال بقرار من مجلس الإدارة، وتجنيب نسبة من الأرباح السنوية لزيادة رأس مال البنك أو التمويل من الاحتياطات، أو من الخزانة العامة بموافقة وزير المالية، مع عدم جواز أن تظهر حقوق الملكية بالسالب، وفي حالة حدوث ذلك تغطى من الخزانة العامة أو بإصدار أذون خزانة لا تتجاوز مدتها 90 يوما.
عودة الخلافات تعكس تآكل الثقة المتبادلة
وقال خبير اقتصادي لــ" العربي الجديد" رفض الإفصاح عن هويته، إن تأجيل صندوق النقد لقرار الإفراج عن الشريحة الثالثة يعكس تآكل الثقة المتبادلة بين خبراء صندوق النقد والحكومة، في ضوء عدم التزام الأخيرة بقواعد الإفراج عن أقساط القروض، والتي تلزمها رفع أسعار المحروقات والكهرباء، وسداد مستحقات الشركاء الأجانب، وشمولية برنامج الإصلاح الاقتصادي.
نوه الخبير المطلع على الملفات الاقتصادية للحكومة إلى أن الفترة الزمنية الطويلة التي صاحبت التغيير الوزاري الأخير، جعلت المؤسسات الحكومية توقف مناقشة أية أنشطة مرتبطة باتفاقات الدولة مع صندوق النقد الذي يرى وجوب تنفيذها وفقا لجدول زمني مجدول مسبقا، مرهون بدفع أقساط القروض وفقا للجدول الزمني المتفق عليه في مارس/ آذار الماضي.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي مدحت نافع في تصريحات متلفزة إن قرار الصندوق يرجع إلى ثلاثة أسباب منها، منح المجموعة الاقتصادية في التشكيل الوزاري الجديد، فسحة من الوقت لمراجعة ملفاتها، ومعرفة مواردها قبل التحدث مع خبراء الصندوق والمستثمرين. توقع نافع عدم التزام الحكومة بشرط أو شرطين وضعهما الصندوق، ويطلب الصندوق الحصول على تعهدات من الحكومة الجديدة بتنفيذها، موضحا أن إدارة الصندوق تدرس تخفيض العائد على القروض التي قدمتها لمصر، بمعدل 2% وهي النسبة التي قررتها إدارة الصندوق مقابل المخاطرة العالية من إقراض الدول التي حصلت على قروض بقيم أعلى من أرصدتها في حسابات الصندوق.
خلافات مصر والصندوق وأخطار عدم التزام الحكومة
يحذر خبراء من أخطار عدم التزام الحكومة بتنفيذ اتفاقها مع صندوق النقد، خشية أن تفقد الدولة مصداقيتها لدى الدائنين، الذين يعتبرون الاتفاق مع الصندوق شهادة على قدرة الاقتصاد المصري الخروج من أزمته الطاحنة، ومدى قابليته لاستقبال الاستثمار الأجنبي المباشر، وضمان حصول المستثمرين على عوائد رأس المال واسترداد أرباحهم بالعملة الصعبة، عندما يريدون الخروج من البلاد أو إرسال فوائضهم للإدارات التابعة لهم بالخارج. يعتبر خبراء خطة الإصلاحات التي قدمها صندوق النقد بالتعاون مع دولة الإمارات والاتحاد الأوروبي، بقيمة 57 مليار دولار، وسيلة إنقاذ لمعالجة أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ عقود.
ترى أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس والبرلمانية السابقة، يمن الحماقي، أن الحكومة يمكنها إعادة التفاوض على نقاط محددة في برنامج الإصلاح الاقتصادي، لإقناع خبراء الصندوق بخطورة زيادة أسعار سلع محددة، تدفع إلى زيادة معدلات التضخم، الذي يرغب الطرفان الحكومي والدولي في كبحه، محذرة في تصريح لـ"العربي الجديد" من مغبة الخروج على الاتفاق تماما مع الصندوق.
تأتي رؤية الخبراء معاكسة لأغلبية ممثلي الأحزاب غير المشاركة في دعم الحكومة بالبرلمان، الذين ينادون بوقف اتجاه الحكومة نحو رفع أسعار الكهرباء والمحروقات والتي تشمل الغاز والبنزين والسولار، التي تنوي الحكومة رفعها مع نهاية الشهر الجاري، بعد تأمين منع انقطاعات التيار الكهربائي والغاز عن المستهلكين ومصانع الأسمدة والبتروكيماويات ومواد البناء.
فاجأت رئيسة بعثة صندوق النقد بالقاهرة إيفانا فلادكوفا هولار الحكومة بإعلانها أول من أمس تأجيل مناقشة صرف الشريحة الثالثة من القروض الممنوح لمصر بقيمة 820 مليون دولار إلى 29 يوليو الجاري، بعد أن كان مقررا عقده أمس الأربعاء، دون أن تدلي بأسباب التأجيل.
تجاهلت الحكومة بيان صندوق النقد، بينما خرجت تسريبات حكومية تظهر أن التأجيل جاء مع عدم التزام الحكومة ببعض الشروط التي يطلب صندوق النقد تنفيذها وفقا لبرنامج الإصلاح الهيكلي المتفق عليه أول مارس الماضي.
يحذر خبراء من أخطار عدم التزام الحكومة بتنفيذ اتفاقها مع صندوق النقد، خشية أن تفقد الدولة مصداقيتها لدى الدائنين
تسبب تأجيل وضع مصر على جدول اجتماعات صندوق النقد المقرر في 29 يوليو الجاري، إلى تأخير صرف الشريحة الثالثة، والتي كانت ستؤدي تلقائيا إلى التقدم بطلب مصر الحصول على قرض إضافي بقيمة 1.2 مليار دولار من مخصصات صندوق "الصلابة والمرونة".
كانت بعثة صندوق النقد، قد وصلت إلى القاهرة في مايو/ أيار الماضي، لإتمام عمليات المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، بعد أن اعتمد مجلس الصندوق نهاية مارس 2024، المراجعتين الأولى والثانية للبرنامج، ووافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار، ليصل إجماليها إلى 8 مليارات دولار، بما سمح لمصر بسحب سيولة من الصندوق بقيمة 820 مليون دولار فورا.
تأمل الحكومة في مراجعة صندوق النقد الدولي سياسة الرسوم الإضافية التي تدفعها على القروض، باعتبارها ثالث أكبر دافعي تلك الرسوم، بعد الأرجنتين وأوكرانيا، خلال اجتماعات مجلس إدارة الصندوق بواشنطن الشهر الجاري، المكون من 24 عضوا يمثلون 190 دولة، والتي تسبب ارتفاعا هائلا في أسعار الفائدة على القروض الممنوحة للبلاد وأضافت مليارات الدولارات من تكاليف الإقراض، متأثرة بارتفاع أسعار الفائدة على الدولار واليورو.